آيات كريمة تحث على التأمل وتزيد من إيمان المرء، فالتأمل من العبادات التي شرعها الله سبحانه وتعالى، فلم تقتصر كل العبادات على كونها بدنية أو قولية، بل شرع الله العبادات المتنوعة والمرنة وذلك من حكمته سبحانه وتعالى حتى لا يمل العبد من اقتصار عبادته لله على شكل واحد فقط، فشرع عبادته من خلال التأمل والذي يعتمد على العقل والتفكر بجانب العبادة البدنية وفيما يلي نتناول فضل تلك العبادة.

آيات كريمة تحث على التأمل

لقد حرص الله سبحانه وتعالى على تقديم عدة أشكال لعبادته فلا هي قولية ظاهرية فقط، ولا بدنية فقط، فجعل منها ما تكون باطنيه قلبية، وما هي تأملية عقلية والهدف من وراء ذلك التنوع أن تتجدد رغبة العبد ويتلهف شوقه أكثر لله عز وجل فلا يقنط من العبادة إذا ما ظلت على نسقٍ واحد، ومن أعمق تلك العبادات التي تقرب العبد من ربه بشكل كبير وتعمِّر القلب بوحدانية الله هي التفكر والتأمل.

فالتأمل في خلقه والتفكر في كل ما حول المرء من صنع الله.. تلك العبادة الصامتة تُجلي الإيمان في القلب، وذكر الله آيات كريمة تحث على التأمل، ومنها: (أوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ بِلِقَاء رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ). [سورة الروم الآية 8].

ما معنى التفكر والتأمل

يقصد بالتفكر في اللغة تردد الفكر وقيل إنه من التأمل، كما ذكر تعريفه في الاصطلاح أنه إعمال العقل وانطلاقه في التأمل بآيات الله في الكون وما يحوي من جمال رباني، وتأمل القلب في معاني الأشياء وأساسها حتى يصل للفهم المراد من خلال التدبر بالنظر إلى ما وراء الأمور، ولأجل ذلك كان الله يدعو الكافرين بالتدبر والتفكر في الكون.

فلا يشرع أحد في التفكّر اللازم والتأمل دون الوصول إلى حقيقة مطلقة واحدة لا يختلف عليها أحد ولا يوجد غيرها ألا وهي، أن الله سبحانه وتعالى هو أساس الكون وأساس الحياة وأصل الوجود وما وراء الوجود، فقد أنزل من القرآن آيات كريمة تحث على التأمل ودعوة الكافرين له، منها قوله تعالى” أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ” [سورة الأعرف 185].

مناحي التأمل

لقد اتخذ التأمل عدة مناحي ومجالات مختلفة يمكن للإنسان أن يتأمل من خلالها كي ينال من ثمار ما تطرحه تلك العبادة الجليلة، ومن أهم تلك المناحي ما يلي:

التدبر في آيات القرآن الكريم والتدبر فيها، والتدبر يأتي من القلب فيقرأ الإنسان بعينيه ويتدبر بقلبه ما تحمله كلمات الله من قضايا في شتى مجالات الحياة.

التفكر في الكون وجميع ما خلقه الله بما فيه من إبداع وإتقان متناهي في الجمال، فتأمل الجبل كيف هو شامخ، والسماء كيف هي ثابتة بدون أعمدة، البحر كيف يحتوي على كل تلك الحيوات في أعماقه، وغيرها يساعد في تقوية إيمان قلب المرء.

التأمل في خلق الإنسان كيف صوره الله في أحسن صورة، تأمل تفاصيل حواسه وكيف تعمل كل حاسة منهم على حدا، وكيف تتصل جميع أعضاء الجسم ببعضها البعض حتى إن اشتكى عضو منهم تأثرت باقي الأعضاء.

التأمل في النفس البشرية وما بها من طباع متفاوتة ومختلفة، وكيف يختلف كل إنسان عن الآخر.

في كافة مخلوقات الله، كيف خلق الله الجمال من النار، وكيف خلق الأسماك في البحار، وكيف خلق الذبابة تحمل جناح ضار وجناح نافع.

التدبر والتفكر في الدنيا وما ورائها، وكيف أنها تحمل حقيقة واحدة وهي أنها فانية بكل ما فيها وكيف يتصارع الناس عليها من أجل نيل أفضل المناصب.

منافع التأمل على الإنسان

إن مجالات ومناحي التأمل في خلق الله وكونه لا يوجد لها نهاية ولا آخر، ولم يشرع الله عبادة لا تحمل خيرًا ومنفعة لعباده، فوجدت آيات كريمة تحث على التأمل في القرآن الكريم وذلك من أجل ثمارها التي تعود على المؤمن والنور الذي يجده قلبه، فمنها قول الله تعالى ” إنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ” [آل عمران 190]، فمن أهم الثمار التي تعود على المؤمن من عبادة التأمل ما يلي:

يقوي من الإيمان الحقيقي بالله في القلب، وينير بصيرة المؤمن فيجعله ينظر إلى ما وراء الأمور التي تجري حوله، مما يعمق إدراكه ويحد من التأثيرات التي لا شأن لها إلا زرع التخلل في قلبه.

التأمل في خلق الله يجعل الإنسان أكثر حكمة، فيزرع في قلبه خشية الله فقط، ومن يخشى الله فلا يخشى أحد بل يخشاه ضعاف النفوس.

يقوي في قلب الإنسان معنى التوحيد بالله ويجعل روحه منيرة قريبة الصلة من الخالق.

يفتح التأمل فكر الإنسان ويجعله أوسع وأشمل فيكون أكثر استقبالًا لمجالات العلم والمعرفة.

تعظيم الله سبحانه وتعالى من خلال التفكر في آياته مثل السماء والنجوم التي ينبثق منها ضيّها الوهّاج فيضفي جمالًا للسماء، في الأشجار وثمارها وكيف يدب الله فيها الحياة، فيصل الإنسان بذلك إلى عظمة الله تعالى وجماله وما لا يتخيله عقل.

يبعث التأمل في القلب والنفس المهابة والخشية من الله سبحانه وتعالى، فيتجنب معصيته حتى لا ينال عقابه.

التأمل يكشف غطاء سطحية الأمور، ويعمّق التدبر فهم آيات الله الكريمة فتزول غفلة القلب.

من شأن التأمل أن يعمل على تثبيت العقيدة، حيث ذكرت آيات كريمة تحث على التأمل في النفس، منها قول الله تعالى” وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ”. [الذاريات 21].

ينال المرء محبة الله ويلمسها بقلبه وروحه، فيرى معية الله أمامه في كل أمور حياته، ييسر له ما صعُب ويحميه من شر ما يعترضه.

يحد التأمل من التفكير المفرط بلا هدف ويمكّن الإنسان من السيطرة على الأفكار التي تعتريه وبالتالي طرد الطاقة السلبية والحد من الضوضاء داخل العقل بلا داعٍ.

يزيد التأمل من حدة التركيز وتحسين الذاكرة وتنشيطها باستمرار، كما يؤدي إلى الصفاء الذهني الذي يسعى له الإنسان.

ذكر عن السلف الصالح من فضل التأمل، حيث قال أبو سليمان الداراني: “إنّي لأخرج من منزلي فما يقع بصري على شيء إلّا رأيت لله عليّ فيه نعمة، ولي فيه عبرة”، فما من شيء خلقه الله إلا يعتبر به الإنسان في حياته إذا تأمل حاله.

التأمل في خلق الله وإعجازه يجعل من الدنيا آخر هم الإنسان، وقد جاء عن عمر عبد العزيز أنه كان يبكي فلما سُئل عن سبب بكائه قال: “فكّرت في الدنيا ولذاتها وشهواتها فاعتبرت منها بها، ما تكاد شهواتها تنقضي حتى تكدرها مرارتُها، ولئن لم يكن فيها عبرةٌ لمن اعتبر إنّ فيها مواعظ لمن ادّكر”.

مظاهر التأمل عديدة ومتنوعة وإن حاولنا أن نحصي روعة جمال خلق الله للكون فلن يتم التوصّل إلى حدٍ فاصل يقف عنده المؤمن، ولهذا فإن التأمل هو ما يوطد الإيمان في نفس وقلب المسلم.