كيف يُدرك عين اليقين؟ وما الفرق بينه وبين علم اليقين؟ نعلمُ أن اليقين هو ما ينأى عن الشك تمامًا، فهو بمثابة الاعتقاد الجازم بالأشياء، وعندما يصل الإيمان إلى درجة اليقين، فلا تشوبه شائبة.. على أن لليقين درجات حسب أفضله وأعلاه، هذا ما نتطرق إليه فيما يلي.

عين اليقين هو ما يدرك عن طريق

بادئ ذي بدء نذكر قول الله تعالى في سورة المدثر: “وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّىٰ أَتَانَا الْيَقِينُ (47)”

فهو الحقيقة التي لا تقبل أن يراودها الشك، فما إن يصل أحدهم إلى درجة اليقين يطمئن قلبه وتسكن روحه، فما بال بسيدنا إبراهيم، الذي أراد أن يزيده الله بإيمانه إيمانًا، هذا ما تجلى في قول الله تعالى: “وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن ۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي” (سورة البقرة: الآية 260)..

فما كان إبراهيم إلا كاملًا الإيمان راسخًا اليقين، لكنه أراد أن ينتقل إلى مرتبة أعلى.. من مرتبة “علم اليقين” إلى “عين اليقين” ليطمئن قلبه.

فهكذا وصل أبو الأنبياء إلى أفضل مراتب اليقين، لينزل الله قوله في كتابه الكريم:”وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75)” سورة الأنعام

قد ورد في محكم التنزيل كثير من الآيات الدالة على المقصود بعين اليقين.

فقد قال الله تعالى في سورة التكاثر: “ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7)”، هذا للتأكيد على أن عين اليقين هو ما يدرك عن طريق البصر.. تلك الحاسة التي أنعم الله بها على بني البشر، إلا أنه في مضمونه الأشمل، ينم عن تجمع الحواس جمعاء، فيُدرك بالبصر والسمع والعقل أيضًا، ليكون إدراكًا لا رؤية بالمعنى اللفظي.

مراتب اليقين

قال الله تعالى في سورة التكاثر: “كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7) ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8)” علمنا سلفًا أن عين اليقين هو ما يدرك عن طريق البصر، ولكن لليقين درجات، تأتي أولاها في علم اليقين، ثم عين اليقين، ثم حق اليقين وهو أعلى المراتب وأفضلها.. وفيما يلي شيء من التوضيح:

  • علم اليقين: ما يعني انكشاف المعلوم للقلب، فعندما يشهد أحدهم علمًا لا يشك فيه.
  • عين اليقين: مشاهدة المعلوم بالأبصار.
  • حق اليقين: أعلى درجات اليقين، التي تعني بالتحقق التام والإدراك البيّن للمعلوم.

ليكون علم اليقين بشرط البرهان وهو لأصحاب العقول الراجحة، وعين اليقين بالكشف والبيان لأصحاب العلوم، أما عن حق اليقين فهو ما كان بيّنًا أمام العيان.. وهو لأصحاب المعارف.

فإن كان المؤمن يعتقد بجزم في وجود الجنة والنار، فهذا علم اليقين، عندما يكون من الإيمان ما يخول له الاعتقاد بوجود الثواب والعقاب.. بيد أن عين اليقين يتسنى من خلال مشاهدته الخلائق بمرأى العين حينما تُزلف الجنة للمتقين وتبرز الجحيم للكافرين.. ليصل إلى حق اليقين حينما يدخل المتقون دار النعيم، ويدخل أهل النار في الجحيم خالدين.

امتثالًا لقول الله تعالى في سورة الواقعة:

“فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ (89) وَأَمَّا إِن كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (90) فَسَلَامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91) وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94) إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (95) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96)”.

فحق اليقين هو محض اليقين وخالصه، وجاءت “اليقين” بعد “الحق” مرادفة إياها للتوكيد، وهذا ما يفرق المشاهدة عن الرؤية العينية عن الرؤية بالقلب، فإن كان علم اليقين برؤية القلب والعقل، فإن عينه يتأتى بالمعاينة، أما عن الحق فهو ما تؤول إليه الأشياء اليقينية بشكل لا يغيب عن العين أبدًا بمباشرة الشيء بالإحساس.

معينات على اليقين

إن عين اليقين هو ما يدرك عن طريق البصر.. فماذا عن سُبل الاستزادة في اليقين ليصل بالمؤمن إلى مراتب أعلى؟ هذا ما جعلنا نذكر من تلك المعينات ما يلي:

  • تدبر آيات القرآن الكريم والفقه في معانيها، هذا ما يصل بقلب المؤمن ومداركه إلى درجات عليا من الإيمان المؤكد الذي لا تشوبه شائبة.
  • عندما يدرك المؤمن كم أن بلائه في الدنيا هيّن فهو بذلك يصعد في مراتب يقينه بالله وبألطاف أقداره، لذا فالأمر يكمن في الدعاء لله.. بإلحاح وصدق وإخلاص، بأن يرزق الله عبده من اليقين ما يخول له الصبر على نوائب الدنيا.
  • التدبر في قصص السلف الصالح، والأنبياء، ممن جاهدوا أنفسهم حتى وصلوا إلى مراتب الإيمان واليقين رغم ما تعرضوا له من الأذى والبلاء.
  • تحصيل العلم النافع، والاجتهاد في المعارف.
  • مجاهدة النفس.. وتهذيبها لترك الشهوات والمعاصي التي تُحجب قلب المؤمن عن ربه وتبعده عن أصل الفطرة والإيمان.

إن أصل الإيمان ما يكمن في إدراكنا حول الغيب.. وغاب عن أبصارنا وقد بلغنا به الخالق لنؤمن به يقينًا.