إذا كان المأموم واحد فأين يقف بالنسبة للإمام؟ وما حكم مُحاذاة الإمام؟ لقد فرض الله سبحانه وتعالى على المسلمين خمس صلواتٍ في اليوم والليلة وجعلها الصلة بين العبد وربه، كما أنه جعل لصلاة الجماعة الفضل العظيم حتى ولو كانت هذه الجماعة مكونة من شخصين فقط، وجعل لها الأركان والواجبات والسنن ومن الواجب على كل مسلم تحقيقها حتى يتقبل الله منه الصلاة.

إذا كان المأموم واحد فأين يقف بالنسبة للإمام

قال الله عز وجل في كتابه الكريم: “إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابًا موقوتًا” وقد فرض الله على المسلمين خمس صلوات في اليوم وجعل لها إمامًا حتى تكون الصلاة أكثر تنظيمًا، ولكلٍ منهم وضعيته في الصلاة.

أما إذا كان المأموم واحد فأين يقف بالنسبة للإمام فقد أُقر بوجوب التسوية بينهم في الصف، وقد استدلوا على هذا بقول النبي صلى الله عليه وسلم من حديث النعمان بن البشير رضي الله عنه أنه قال:

“لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ” رواه البخاري.

مما يعني أنه إذا وقف الإمام والمأموم فإن المأموم يقف بمحاذاة الإمام ولا يتقدم الإمام عنه، فقد جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي مع ابن عباس رضي الله عنهما وشرع النبي في الصلاة فأخذ برأس ابن عباس من ورائه وقدمه ليكون عن يمينه ولم ينقل أنه آخره عنه.

قد قال أهل العلم أن الإمام والمأموم فقط يُعتبر صفًا واحدًا، لذلك فإن الواجب تسوية الصف، حتى يكون بالتساوي حيث لا يجوز أن يتقدم أحد على الآخر، كما ورد عن الإمام أحمد في مسنده عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال:

“أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَصَلَّيْتُ خَلْفَهُ، فَأَخَذَ بِيَدِي فَجَرَّنِي فَجَعَلَنِي حِذَاءَهُ، فَلَمَّا أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى صَلاتِهِ خَنَسْتُ، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ لِي: (مَا شَأْنِي أَجْعَلُكَ حِذَائِي فَتَخْنِسُ؟) فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَوَ يَنْبَغِي لأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَ حِذَاءَكَ وَأَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ الَّذِي أَعْطَاكَ اللَّهُ؟

قال الألباني رحمه الله أن بهذا الحديث فائدة فقهية مهمة ألا وهي أنه من السنة أن يصلي المسلم بجوار الإمام من ناحية اليمين محاذيًا له غير متأخرًا عنه، بحيث إن أصابع قدميهِ تكون موازيةً لعقبى الإمام وهذا يأتي بالخلاف مع بعض المذاهب الفقهية.

حكم محاذاة الإمام في الصلاة

من خلال ما توصلنا إليه عبر إذا كان المأموم واحد فأين يقف بالنسبة للإمام فإنه يجدر بنا ذكر حكم المحاذاة مع الإمام بوجه عام، من الجدير أنه إذا كان الإمام يصلى خلفه اثنين فما فوق أن يتقدم عنهم ويصلي في المحراب.

أما إذا لزم الأمر وازدحم المسجد بالمصليين ولم يتاح لأحد من المسلمين مكان للصلاة سوى بجانب الإمام يميًنًا أو يسارًا فلا حرج في ذلك وقد جاء هذا وفق ما قاله الإمام الألباني رحمه الله أنه إذا وجد الإمام مكان أمامه يتيح له أن يتقدم المأمومين فليفعل، ويترك المساحة للمأمومين خلفه:

قال الإمام النووي رحمه الله: ” قال أصحابنا: فإن حضر إمام ومأموم، وأحرم عن يمينه، ثم جاء آخر أحرم عن يساره، ثم إن كان قدام الإمام سعة، وليس وراء المأمومين سعة تقدم الإمام“.

حكم تقدم المأموم على الإمام

على غرار ما علمناه من إذا كان المأموم واحد فأين يقف بالنسبة للإمام فإنه من الأهمية أن نعلم رأي علماء الفقه في حال تقدم المأموم على الإمام، والذي ذهب فيه آراء العلماء إلى ثلاثة أقوال على النحو التالي:

1- رأي المالكية

ذهب فيه علماء المالكية إلى أنها صحيحة ولكن ومع الكراهة، إذا وقع هذا بغير عُذر، أما إذا وجد العُذر وهو ضيق المسجد فإنهم أجازوه بدون وجود الكراهة وكما جاء في شرح الكبير: أنه كُرِهَت الجماعة إذا كان المأموم يتقدم الإمام أو يقف بمحاذاته بغير عذر لهذا.

علماء المالكية لا يفرقون بين الرجل والمرأة في هذا الخصوص فقد قال صاحب كفاية الطالب الرباني من المالكية: إلا أنه في حالة تقدم المرأة إلى نفس مرتبة الرجل أو أمام الإمام فإنها مثل الرجال تتقدم فهذا يكره بغير عذر بالإضافة أنها لا تفسد تلك الصلاة.

2- رأي الحنفية والشافعية

فقد تطرق علماء المذهب الحنفي والشافعي وكذلك الحنبلي إلى أنها صلاة لا تصح بشكل مطلق، وهذا من المشهور عن تلك المذاهب فقد قال الإمام النووي رحمه الله وهو من علماء الشافعي:

إذا تقدم المأموم على إمامه في الموضع، فقولان مشهوران: الجديد الأظهر، لا تنعقد”، وقال الإمام ابن قدامة أيضًا: “من السنة أن يقف المأمون خلف الإمام فإن وقفوا قدامه لم تصح”.

3- مذهب الإمام أحمد بن حنبل

كان هذا الرأي الثاني لعلماء مذهب الإمام أحمد بن حنبل فقد أقروا صحتها في حال وجد العذر، مثل ضيق المسجد أو قيام صلاة الجناز فليؤدها أمام الإمام خير من أن يؤديها وحده، وهذا القول قد ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهذا من وجهة نظر العملاء هو الأرجح، حيث قال:

ذلك لأن التقدم على الإمام غايته أن يكون واجبا من واجبات الصلاة في الجماعة، والواجبات كلها تسقط بالعذر”.

إن الصلاة من أعظم ما أنزل الله في دينه الإسلام فهي الرباط والصلة للمسلم بخالقه، لذا يتوجب عليه الحرص على أدائها بالوجه الأكمل، وأن يحقق الأركان والواجب بها قدر المستطاع.