هل الاستسقاء هو طلب من الله تعالى؟ وكيف تكون صلاة الاستسقاء؟ طالما كان الدعاء هو الملاذ للمؤمن الصادق الخاشع لله، في أي أمر من أمور الدنيا خصيصًا لقضاء الحوائج، والله يحب من عباده المتقربين إليه بالدعاء مع الإلحاح فيه بنية صادقة.. وفي هذا الصدد نشير إلى صفة الاستسقاء وهل تمثل طلبًا من الله تعالى كالدعاء.

الاستسقاء هو طلب من الله تعالى

من النعم التي أنعم بها الله سبحانه وتعالى على عباده الدعاء، ففيه الخير والبركة، ومن الدعاء طلب الاستسقاء من الله، في وقت القحط والجدب والجفاف، والاستسقاء هو طلب السقيا أي نزول المطر على النباتات والأرض حتى تنمو المزروعات ويعم الخير.

فالاستسقاء هو طلب من الله تعالى بأن يمن على الناس من نعمه وينزل حبات المطر لسقيا النباتات والمخلوقات جميعًا، كما أن للاستسقاء صلاة تصلى في أوقات القحط والجدب.

في هذا الصدد نشير إلى قول الإمام ابن منظور رحمه الله: ”

ذكر الاستسقاء في الحديث، وهو استفعال من طلب السقيا: أي إنزال الغيث على البلاد والعباد، يقال: استسقى، وسقى الله عباده الغيث، وأسقاهم، والاسم: السُّقيا بالضم، واستسقيت فلانًا: إذا طلبت منه أن يسقيك.

صلاة الاستسقاء

تعتبر من النوافل، أي أنها من السنن لا من الصلوات المفروضة، على أن الرسول –صلى الله عليه وسلم- كان يصليها ركعتين، ويطلب فيها السقيا من الله في جماعة، وفيها خطبة ودعاء.

عن عبد الله بن يزيد –رضي الله عنه- قال عن النبيّ –صلى الله عليه وسلم- قال

: رَأَيْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَومَ خَرَجَ يَسْتَسْقِي، قالَ: فَحَوَّلَ إلى النَّاسِ ظَهْرَهُ، واسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ يَدْعُو، ثُمَّ حَوَّلَ رِدَاءَهُ، ثُمَّ صَلَّى لَنَا رَكْعَتَيْنِ جَهَرَ فِيهِما بالقِرَاءَةِ” (صحيح البخاري).

هذا عندما كانت تتعرض الأرض إلى الجفاف، فكان يخرج الناس بعد أن ترفع الشمس ويصلي بهم الرسول صلاة الاستسقاء في ركعتين، ثم يخطب فيهم، على أن يُكثر من الدعاء إلى الله لنزول المطر وكان يقول: “اللهم أسقنا غيثًا مغيثًا هنيئًا مريئًا غدقًا مجللًا طبقًا عامًا نافعًا غير ضار عاجلًا غير آجل تحيي به البلاد وتسقي به العباد“.

على أنه قبل الصلاة يتم الوضوء ومن السنة أن تُقلم الأظافر ويُطهر الفم، والتوجه إلى الصلاة بقلب خاشع، على أنها دون أذان أو إقامة، ويتم التكبير في الصلاة 7 تكبيرات في أول ركعة، والتكبير 5 تكبيرات في الركعة الثانية.. ومن الأفضل قراءة قصار السور جهرًا.

ما يُفضل أن يُقرأ في صلاة الاستسقاء

علمنا أن الاستسقاء هو طلب من الله تعالى وهنا نذكر أن أقوال الفقهاء متعددة فيما يخص ما يُستحب قراءته أثناء صلاة الاستسقاء، وكانت آراء المذاهب كما يلي:

  • المذهب الحنفي والحنبلي: ما يقرأ في الاستسقاء مثل ما يُقرأ في العيد، في الركعة الأولى سورة الأعلى، وفي الركعة الثانية سورة الغاشية.
  • المذهب الشافعي: قراءة سورة ق في الركعة الأولى، وسورة القمر في الركعة الثانية.
  • المذهب المالكي: سورة الأعلى في الركعة الأولى، وسورة الشمس في الركعة الثانية.

الفرق بين صلاة الاستسقاء وصلاة العيد

غنى عن البيان أن الصلاتين من السنن، إلا أن بينهما بعض الفروقات تتجلى فيما يلي:

  • خطبة صلاة الاستسقاء بعد الانتهاء من الصلاة أو قبلها، بيد أن خطبة العيد تكون بعد الصلاة فقط.
  • في صلاة العيد يعني الإمام بتوضيح بعض الأحكام الخاصة بالأعياد، أما في خطبة الاستسقاء فهي تشمل الدعاء اللحوح إلى الله بنزول الغيث علاوةً على الإكثار من الذكر والاستغفار.

نستند هنا إلى حديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم رواية إسحاق بن عبد الله بن الحارث:

خرجَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ متبذِّلًا متواضعًا متضرِّعًا حتَّى أتى المصلَّى زادَ عثمانُ فرقى على المنبرِ ثمَّ اتَّفَقا ولم يخطُب خطبَكم هذِهِ ولَكِن لم يزل في الدُّعاءِ والتَّضرُّعِ والتَّكبيرِ ثمَّ صلَّى رَكعتينِ كما يصلِّي في العيدِ” (صحيح الترمذي).

وقت الاستسقاء

اختلف العلماء وفقهاء الدين في تحديد وقت تأدية صلاة الاستسقاء، وكانت آرائهم كما يلي:

  • لا يوجد وقت محدد لتأدية الصلاة، حيث يُمكن تأديتها في الأوقات كافة عدا تلك التي يُستقبح فيها الصلاة.. هذا على حد قول الإمام الشافعي رحمه الله.
  • تكون في نفس توقيت تأدية صلاة العيد، على أن هذا هو المتخذ سُنة عن النبيّ.
  • بدءًا من توقيت صلاة العيد وحتى انتهاء توقيت صلاة العصر يُمكن أن تصلى صلاة الاستسقاء.

عن عائشة –رضي الله عنها-:

فخرج النَّاسُ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وسلَّم حين بدا حاجبُ الشَّمسِ، فقعد على المنبرِ فحمِد اللهَ وأثنَى عليه، ثمَّ قال: إنَّكم شكَوْتم جدْبَ جنابِكم واحتباسَ المطرِ عن إبَّانِ زمانِه فيكم، وقد أمركم اللهُ أن تدعوه ووعدكم أن يستجيبَ لكم“.

الحكمة من الاستسقاء

علمنا أن الاستسقاء هو طلب من الله تعالى نزول الغيث، على أن المرء يتعلم من صلاة الاستسقاء أن يشكر الله تعالى على ما يرزقه من النعم، علاوةً على حمده في السراء والضراء، كما أن الإحساس بالنعم يكون أكبر عند فقدها، الأمر الذي يجعل العبد مدركًا أنه لا ملجأ سوى الله حتى يدعوه ملحًا خاشعًا متضرعًا إليه.

كما أن الدعاء إلى الله في وقت الكروب والمحن يزيد من صلة العبد بربه، حتى يحافظ له على تلك النعم الكثيرة التي لا تعد ولا تحصى ومن أهمها المطر، علاوةً على أن مثل تلك النوافل تعتبر توبة عن الذنوب التي طالما يقترفها العبد، وفيها إزاحة عن قلبه الهموم.

لعل في صلاة الاستسقاء تكون الاستجابة من الله لتبديد القحط والجدب ورزق العباد من الخير الوفير.. إن صلّوا إلى الله واستغفروه وكانوا له خاشعين.

إن اتخاذ الرسول صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة هو المنهاج الذي على المسلم اتباعه، من هنا يُمكن تأدية صلاة الاستسقاء اقتداءً بالنبي وتنفيذًا لسنته.