الخليفة الذي تصدى للمرتدين هو واحد من الخلفاء الراشدين الأجلّاء، فقد كانت حركات الردة بعد وفاة الرسول بمثابة حركات انفصالية وعودة إلى النظام القبلي والجاهلية والتي تتناقض مع الإسلام، على أن للردة في ذلك الوقت أنواع، يعكس كل نوع مدى الارتداد عن الدين الإسلامي وتعاليمه السامية التي أمر بها النبي الكريم.

الخليفة الذي تصدى للمرتدين

بعد وفاة الرسول – صلى الله عليه وسلم- في 11 من الهجرة بدأت القبائل العربية أن ترتد عن دينها الإسلامي فخرجوا من الملة وانشقوا عنه، ويُمكن القول إنهم لم يكن لديهم إيمان راسخ في الأساس، فلم يثبت الإيمان في قلوبهم حتى ارتدوا عنه، كان الخلفاء الراشدين بعد وفاة الرسول لهم دور عظيم في رفعة راية الإسلام.

أما عن الخليفة الذي تصدى للمرتدين هو أبو بكر الصديق، عبد الله بن أبي قحافة رضي الله عنه وأرضاه، وُلد أبو بكر في العام الخمسين قبل الهجرة، وتوفي في العام 13 بعدها، وهو أول الخلفاء بعد الرسول.

كان أقرب صاحب ورفيق للرسول وكان رفيقه عند الهجرة كذلك، أهل السنة والصحابة يعتبرون أبا بكر أنه خير الخلق بعد الرسل والأنبياء، ومن أكثر الصحابة زهدًا وإيمانًا، فهو الذي كان يُصدق النبي في قوله على الدوام مهما كذبته قريش.

خطبة أبي بكر عند توليه الخلافة

عندما تولى أبو بكر الخلافة بعد الرسول –صلى الله عليه وسلم- خطب في الناس قائلًا: “والله لا أدعُ أن أقاتلَ على أمر الله حتى ينجزَ الله وعده ويوفيَ لنا عهده، ويُقتل من قُتل منا شهيداً من أهل الجنة، ويبقى من بقي منها خليفته وذريته في أرضه، قضاء الله الحق، وقوله الذي لا خلف له، وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض“.

حركة الردّة في عهد أبي بكر

علمنا من هو الخليفة الذي تصدى للمرتدين، أما عن حركة الردة نفسها، فكانت على ثلاثة أقسام:

  • من استمر على الزكاة لكن أنكر الزكاة ولم يؤدها.. ذريعة أنها كانت مرهونة بزمن النبي فقط، على غير اعتبار أنها ركنًا ركينًا من أركان الإسلام.
  • من اتبع مدعي النبوة، كأمثال الأسود العنسي ومسيلمة الكذاب، وصدقوهم في ادعائهم.
  • صنف آخر من المرتدين عادوا إلى عبادة الأوثان مرة أخرى، وهم أكثر المرتدين إثمًا.

كيف تصدى أبو بكر للمرتدين؟

بعد أن علمنا أن الخليفة الذي تصدى للمرتدين هو أبو بكر الصديق –رضي الله عنه- بقي لنا أن نعرف الآليات التي اتبعها للقضاء على الردة بأنواعها سالفة الذكر، والتي تجلت فيما يلي:

1- إرسال رسالة مع كل لواء

قام أبو بكر بكتابة كتاب عام حتى ينشره بين عموم الناس، ممن ثبتوا على إسلامهم، وممن ارتدوا أيضًا حتى يحجموا عما يقترفون، هذا قبل أن يقوم بإعداد الجيوش التي من شأنها محاربة الردة، فقد بعث رجالًا يأمرون القبائل بقراءة هذا الكتاب وأن يبلغون مضمونه إلى من لا يقرأه.. ويُذكر من نص الإنذار من رسالة أبي بكر إلى القبائل ما يلي:

قَدْ بَلَغَنِيَ رُجُوْعُ مَنْ رَجَعَ مِنْكُمُ عَنْ دِيْنِهِ بَعْدَ الإِقْرَارِ بِالإِسْلَامِ، وَالعَمَلِ بِشَرَائِعِهِ، اعْتِزَازًا باللهِ عز وجل، وَجَهَاْلَةً بِأَمْرِهِ، وَطَاعَةً لِلشَّيْطَانِ، وَالشَّيْطَانُ لَكُمْ عَدُوٌّ، فَاتَّخِذُوْهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُوَ حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيْرِ…

… وَبَعْدُ، فَقَدْ وَجَّهْتُ إِلَيْكُمُ فُلَانٌ فِيْ جَيْشٍ مِنْ المُهَاجِرِيْنَ وَالأَنْصَارْ، وَأَمَرْتُهُ أَنْ لَا يُقَاتِلَ أَحَدًا حَتَّىْ يَدْعُوْهُ إِلَىْ اللهَ عز وجل، ويَعْذِرُ إِلَيْهِ وَيُنْذِرْ، فَمَنْ دَخَلَ فِيْ الطَّاعَةِ وَسَارَعَ إِلَىْ الجَمَاعَةِ، وَرَجِعَ مِنَ المَعْصِيَةِ إِلَىْ مَا كَانَ يَعْرِفُ مِنْ دِيْنِ الإِسْلَامِ، ثُمَّ تَاْبَ إِلَىْ اللهِ تَعَالَىْ وَعَمِلَ صَالِحًا، قَبِلَ اللهُ مِنْهُ ذَلِكْ، وَأَعَاْنَهُ عَلَيْهِ…

… مَنْ أَبَىْ أَنْ يَرْجِعَ إِلَىْ الإِسْلَامِ بَعْدَ أَنْ يَدْعُوْهُ فُلَانٌ وَيَعْذِرَ إِلَيْهِ، فَقَدْ أَمَرْتُهُ أَنْ يُقَاتِلَهُ أَشَدَّ القِتَاْلِ، بِنَفْسِهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ أَنْصَارِ دِيْنِ اللهِ وَأَعْوَانِهِ، لَا يَتْرُكَ أَحَدًا قَدِرَ عَلَيْهِ إِلَّا أَحْرَقَهُ بِالنَّارِ إِحْرَاقًا، وَيَسْبِيَ الذَّرَارِيَ وَالنِّسَاءَ، وَيَأْخُذَ الأَمْوَالَ، فَقَدْ أُعْذِرَ مَنْ أَنْذَرْ، وَالسِّلَامُ عَلَى عِبَادِ اللهِ المُؤْمِنِيْنْ، وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاللهِ العَلِيَّ العَظِيْمِ”.

2- تقسيم الجيوش

بعدها عزم أبو بكر على تقسيم الجيش الإسلامي إلى 11 لواء، على أن كل لواء جعل عليه أميرًا، وتلك الجيوش:

  • جيش خالد بن الوليد، وهو القائد العام للجيوش، يُرسل إلى اليمامة وبني أسد وتميم.
  • جيش عكرمة بن أبي جهل إلى مسيلمة الكذاب في بني حنيفة، ثم إلى عُمان والمهرة، وحضرموت واليمن.
  • جيش شرحبيل بن حسنة إلى اليمامة في إثر عكرمة، ثم حضرموت.
  • جيش عمرو بن العاص إلى قضاعة.
  • جيش المهاجر بن أبي أمية إلى اليمن، صنعاء ثم حضرموت.
  • جيش سويد بن مقرن إلى تهامة اليمن.
  • جيش خالد بن سعيد بن العاص إلى مشارف الشام.
  • جيش طريفة بن حاجر إلى بني سليم وهوازن.
  • جيش عرفجة بن هرثمة إلى المهرة.
  • جيش العلاء بن الحضرمي إلى البحرين.
  • جيش حذيفة بن محصن الغلفائي إلى عُمان.

حروب الردة

كانت حروب الردة سلسلة من الحملات العسكرية التي شنها المسلمون على القبائل المرتدة، خلال أعوام 11 هجريًا و12 هجريًا، فقد ارتد العرب في كل القبائل فيما عدا أهل مكة والطائف والمدينة المنورة، يُقال إن الردة كانت بمثابة حركة سياسية معتمدة على عصبيات قبلية، من هنا كان لابد من الصدام مع المرتدين.

فكانت حروب الردة دعوة للجهاد في سبيل الله قادها أبو بكر بجيوش المسلمين، حمل أبو بكر راية الجهاد فجهز الأولوية العسكرية لقيادة (خالد بن الوليد، عكرمة بن أبي جهل، عمرو بن العاص).

فساروا إلى تلك القبائل لقتالهم، وبالفعل قضوا عليهم بضراوة شديدة، فعاد أغلب زعماء الردة إلى الإسلام، وبعضهم توفي في المعركة، على أن حروب الردة كُللت للمسلمين بالنجاح المشهود لإعلاء راية الإسلام.

نتائج حروب الردة

لا يجب أن نتطرق إلى ذكر الخليفة الذي تصدى للمرتدين دون أن نذكر نتائج تصديه إياهم، فجاءت نتائج حروب الردة على النحو التالي:

  • توحيد كامل شبه الجزيرة العربية تحت راية الدين الإسلامي.
  • توسع المسلمين في الشام والعراق على حساب الفرس والروم.
  • أمر أبو بكر بجمع القرآن الكريم، وكان ذلك لأول مرة، ومن قام بالجمع هو زيد بن ثابت، ويعزو قراره إلى مقتل الكثير من الصحابة من حفظة القرآن في حروب الردة.
  • تحقيق الوحدة السياسية بعد الوحدة الدينية، فكان من الضروري تحقيقها حتى تستمر الفتوح الإسلامية.
  • كانت حروب الردة فرصة مواتية لإظهار قدرات عسكرية للقيادات التي اكتسبت خبرات جامحة في القتال، من أبرزهم خالد بن الوليد.
  • كانت نهاية حروب الردة بداية لأحداث أخرى لها عظيم الأثر في تاريخ الدولة الإسلامية.

من الجدير بالذكر أن القضاء على الردة شهد معاركًا كثيرة، في العديد من الدول، لذا أسفرت عن مقتل الكثيرين من الطرفين.

كانت حروب الردة ذات قيمة لا تقدر كونها أعطت المسلمين ثقة بالغة في أنفسهم وفي قدرتهم على الانتصار.. بغض الطرف عن القدرات المادية والكثرة العددية.