حديث يدل على محبة الرسول للأنصار التي بدأت عند عقد بيعة العقبة الأولى.. حيث لم يرى صلى الله عليه وسلم منهم إلا الطاعة والالتزام بتعليمات الدين الإسلامي والسعي في نشره إلى نطاق أوسع، حتى ألقى الرسول خطبة في فترة مرضه التي مات فيه توضح مدى حبه لهم وندرة وجود قوم مثلهم، ومن ذلك يكمن سبب حب الرسول لهم ووجود عدة أحاديث تبين ذلك.

حديث يدل على محبة الرسول للأنصار

ذكر الله تعالى في كتابه الكريم (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)؛ وكان يقصد بذلك الأنصار حيث يشير ذلك إلى رضى الله عنهم وقبولهم في الجنة.

كما ورد حديث يدل على محبة الرسول للأنصار رواه الصحابة رضي الله عنهم، ومن ذلك الحديث ما رواه أنس بن مالك (حُبُّ الأنصارِ آيةُ الإيمانِ، وبُغضُ الأنصارِ آيةُ المنافقِ)، ففي ذلك الحديث حث صلى الله عليه وسلم المسلمين على حب الأنصار الذين هاجر إليهم المسلمين وربط حبهم بأنه من علامة اكتمال الإيمان.

بالإضافة إلى حديث البراء الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم فيه (الأَنْصارُ لا يُحِبُّهُمْ إِلاَّ مُؤْمِنٌ، وَلا يُبْغِضُهُمْ إِلاّ مُنافِقٌ، فَمَنْ أَحَبَّهُمْ أَحَبَّهُ اللهُ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ أَبْغَضَهُ اللهُ)، الذي أكد فيه صلى الله عليه وسلم أن من يحب من قاموا بإيواء النبي ينصره الله على أعدائه ويرضيه بحسن جواره، فمحبتهم من محبة الله عز وجل ومحبة الرسول صلى الله عليه وسلم.

كما أكد صلى الله عليه وسلم في حديث يدل على محبة الرسول للأنصار عندما قال لهم (يا مَعْشَرَ الأنْصَارِ، أَما تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بالدُّنْيَا وَتَذْهَبُونَ بمُحَمَّدٍ تَحُوزُونَهُ إلى بُيُوتِكُمْ؟ قالوا: بَلَى، يا رَسولَ اللهِ، رَضِينَا، قالَ: فَقالَ: لو سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا، وَسَلَكَتِ الأنْصَارُ شِعْبًا، لأَخَذْتُ شِعْبَ الأنْصَارِ) .

اختتم رسول الله كلامه قائلًا (اللهم أرحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار) فبكى كل الانصار حتى ابتلت لحاهم وطلب منهم رسول الله أن يصبروا بعد موته قائلًا (إنكم ستلقون بعدى أثرة شديدة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض (وفي ذلك وعد لهم بالجنة.

بالإضافة إلى الموقف الذي جاء في صحيح مسلم وهو (أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، رَأَى صِبْيَانًا وَنِسَاءً مُقْبِلِينَ مِن عُرْسٍ، فَقَامَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ مُمْثِلًا، فَقالَ: اللَّهُمَّ أَنْتُمْ مِن أَحَبِّ النَّاسِ إلَيَّ، اللَّهُمَّ أَنْتُمْ مِن أَحَبِّ النَّاسِ إلَيَّ يَعْنِي الأنْصَارَ)، وذكر في صحيح البخاري ما حدث يوم الخندق وهو (كَانَتِ الأنْصَارُ يَومَ الخَنْدَقِ تَقُولُ: نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدَا… علَى الجِهَادِ ما حَيِينَا أبَدَا ، فأجَابَهُمُ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقالَ: اللَّهُمَّ لا عَيْشَ إلَّا عَيْشُ الآخِرَهْ… فأكْرِمِ الأنْصَارَ، والمُهَاجِرَهْ).

من هم الأنصار؟

في سياق الإشارة إلى حديث يدل على محبة الرسول للأنصار يجدر بالذكر أنهم من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم أهل المدينة المنورة التي هاجر إليها المسلمين من مكة.. حيث لاقى المسلمين ترحيب واستقبال يحمل كل معاني الإيثار عن دخولهم المدينة المنورة، فدخل الكثير منهم الإسلام قبل دخول أهل مكة بالإضافة إلى تقاسمهم أموالهم ومنازلهم وتجارتهم مع المهاجرين.

فأثنى الله عليه في قوله تعالى في سورة التوبة (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)، وقوله تعالى (قَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ).

تجدر الإشارة إلى أن نسب الأنصار يرجع إلى قبيلة الأوس وقبيلة الخزرج والقبيلتين يعود نسبهم إلى أوس وخزرج أولاد حارثة وأمهم هي قيلة بنت الأرقم، تم تسميتهم بالأنصار مؤخرًا عندما ناصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم وبايعوه بيعة العقبة الأولى، وقاموا بالإحسان بالمهاجرين الذين جاؤوا معه.

أسباب حب الرسول للأنصار

عند وصول الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بنى مسجد ودعا اليهود إلى الإسلام وأن يكونوا إخوان للمسلمين المهاجرين معه، فتم ذلك في بيت أنس بن مالك رضي الله عنه فتم المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار وكان عددهم 90 رجل نصفهم من المهاجرين والنصف الآخر من الأنصار.

عاش المهاجرين مع أهل المدينة في حالة من الود والتعاون والمواساة، حيث اقتسم الأنصار أموالهم وديارهم مع المهاجرين وقاموا بإعطائهم الحق في الإرث، حتى أنزل الله عز وجل الآية الكريمة في قانون الإرث التي توضح أن الإرث لا يجوز إلى للأرحام وذلك في قوله تعالى (وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ).

ذلك كان سبب سقوط المؤاخاة العصبية لكن شملت المؤاخاة كل معاني الإنسانية ومظاهر الأخلاق الحميدة وأبرز مثال يمكن الاستدلال به ما حدث بين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع رضي الله عنهما (قالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ: إنِّي أكْثَرُ الأنْصَارِ مَالًا، فأقْسِمُ مَالِي نِصْفَيْنِ، ولِي امْرَأَتَانِ فَانْظُرْ أعْجَبَهُما إلَيْكَ فَسَمِّهَا لي أُطَلِّقْهَا، فَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَتَزَوَّجْهَا، قالَ: بَارَكَ اللَّهُ لكَ في أهْلِكَ ومَالِكَ(.

في يوم فتح مكة تم توزيع الغنائم فاعترض الأنصار على تقسيم الغنائم فاجتمع بهم صلى الله عليهم وسلم وقال لهم: (ما الذي بَلَغَنِي عَنْكُمْ، وكَانُوا لا يَكْذِبُونَ، فَقالوا: هو الذي بَلَغَكَ، قالَ: أوَلَا تَرْضَوْنَ أنْ يَرْجِعَ النَّاسُ بالغَنَائِمِ إلى بُيُوتِهِمْ، وتَرْجِعُونَ برَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى بُيُوتِكُمْ؟ لو سَلَكَتِ الأنْصَارُ وادِيًا أوْ شِعْبًا، لَسَلَكْتُ وادِيَ الأنْصَارِ أوْ شِعْبَهُمْ (وذلك سبب رئيسي في وجود حديث يدل على محبة الرسول للأنصار.

بيع العقبة الأولى

قابل صلى الله عليه وسلم شخصًا من أهل المدينة المنورة أثناء نشر دعوته في مكة التي تم مواجهتها بالرفض والعدوان.. فعرض صلى الله عليه وسلم على ذلك الرجل الإسلام فرحب بالأمر ووعده أن يأتي إليه في العام القادم مع شخصين آخرين ليعتنقوا الدين الذي يدعوه إليه، فجاء في موسم الحج في العام التالي جمع من الأوس والخزرج وقاموا بعقد بيعة العقبة الأولى وكان عددهم يصل إلى 12 رجل.

فشعر صلى الله عليه وسلم أن الدعوة مقبولة في أماكن مختلفة من شبه الجزيرة العربية أكثر من مكة المكرمة، وبيعة العقبة الأولى كانت الإشارة المنيرة في عقل رسول الله صلى الله عليه وسلم لتأسيس دولة إسلامية متباعدة الأطراف، فروى أحد الرجال أن صلى الله عليه وسلم قال:

(تَعالَوا بايعوني علَى أنْ لا تُشرِكوا باللَّهِ شيئاً، ولا تَسرِقوا، ولا تَزْنوا، ولا تَقتُلوا أولادَكُم، ولا تأتُوا بِبُهتانٍ، تَفتَرونَهُ بين أيديكُم وأرْجُلِكُم، ولا تَعصوني في مَعروفٍ، فمن وفَى منكُم فأجرُهُ على اللَّهِ، ومن أصابَ من ذلكَ شيئاً فَعوقِبَ بهِ في الدُّنيا فهُو لَه كَفَّارَةٌ، ومن أصابَ من ذلك شيئاً فسَتَرَهُ اللَّهُ فأمْرُهُ إلى اللَّهِ، إنْ شاءَ عاقَبَهُ، وإنْ شاءَ عفا عنه).

فأول ما كان يحتوي عليه العقد هو ثبات الإيمان بالله وعدم الشرك به أبدًا ثم الإشارة إلى الأخلاق الهامة مثل ترك الزنا والبعد عن قتل النفس والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وسبب انتشار الإسلام في المدينة المنورة وليس في مكة المكرمة بلد النبي محمد صاحب الدعوة هو حكمة من المولى عز وجل، ليتيقن الجميع أن الدين الإسلامي ديل عالمي لكل الأجناس ولا يخص قبيلة واحدة أو بلد معينة.

رسخ الأنصار المعنى الحقيقي لترك العنصرية القبلية التي كانت سائدة في الجاهلية، فالكل سواء بمجرد اعتناق الدين الإسلامي وما يميز المرء عن غيره اجتهاده في العبادة.