رباط في سبيل الله خير من ماذا؟ وما تفسير ذلك الحديث الشريف؟ حيث روى الصحابة رضوان عليهم أن صلى الله عليه وسلم أكد على أهمية المرابطة في سبيل الله، وهي تشير إلى حراسة المسلمين والتواجد في الثغرات التي يمكن أن يهجم منها الأعداء، ولذلك فضل عظيم لما فيه من تضحية المسلم بنفسه لحماية الدولة الإسلامية.

رباط في سبيل الله خير من

ترجع كلمة الرباط إلى ما يقوم به من يحرسون الثغور فيربطون خيولهم عن كل ثغر، ويمكثون فيه للحراسة، لكن عندما جاء ذلك اللفظ في حديث شريف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، جاءت تشير إلى حفظ المسلمين للمسافات والحدود بينهم وبين بلاد الكفر، فيجب أن تكون المعاملة بينهم في حدود المصلحة ولا تكون أكثر من ذلك.

لكن شمل ذلك المصطلح مفاهيم أخرى بناءً على ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد قال صلى الله عليه وسلم :

(رِبَاطُ يَومٍ في سَبيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وما عَلَيْهَا، ومَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ مِنَ الجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وما عَلَيْهَا، والرَّوْحَةُ يَرُوحُهَا العَبْدُ في سَبيلِ اللَّهِ، أَوِ الغَدْوَةُ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وما عَلَيْهَا).

يعد الجهاد في سبيل الله أساس انتشار الدين الإسلامي وسيف الرسالة، حيث أمر صلى الله عليه وسلم بالسعي فيه لنيل درجات أعلى في الجنة، فقد حث المسلمين في الحديث الشريف الذي يتضمن رباط في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها، أن البقاء هو البقاء في الثغور التي يهجم منها الأعداء على المسلمين وذلك لحراسة المسلمين.

حيث يعد المرابطة في سبيل الله تفتح للمداوم عليها باب من أبواب الجنة، وذلك لما فيها من مخاطرة بالنفس لانتشار الدين الإسلامي، فأكد صلى الله عليه وسلم أن النعيم من ذلك خير من الدنيا وما فيها وتلك دلالة على فناء الدنيا، بالإضافة إلى أن الغدوة والروحة خير من الدنيا الفانية.

فالغدوة هي السير من طلوع الصباح إلى وقت الظهيرة في حراسة المسلمين، أما الروحة هي السير من وقت الظهيرة إلى بزوغ الليل، وبين الرسول صلى الله عليه وسلم أن الرباط في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها، كما وضح هوان الدنيا أما الفوز بالآخرة.

حيث روى عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (كلُّ مَيِّتٍ يُختَمُ على عمَلِه، إلَّا المُرابِطَ في سبيلِ اللهِ؛ فإنَّه يُجرى له أجْرُ عمَلِه حتى يُبعَثَ)، وذلك يوضح أهمية المرابطة في سبيل الله كما روى سلمان الفارسي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (رِباطُ يَومٍ ولَيْلَةٍ خَيْرٌ مِن صِيامِ شَهْرٍ وقِيامِهِ، وإنْ ماتَ جَرَى عليه عَمَلُهُ الذي كانَ يَعْمَلُهُ، وأُجْرِيَ عليه رِزْقُهُ، وأَمِنَ الفَتّانَ).

أمثلة على الرباط في سبيل الله

عندما أكد صلى الله عليه وسلم أن رباط في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها، حيث يختص ذلك الجهاد وحراسة المسلمين من الأعداء، ويكمن فضل ذلك في المخاطرة بالنفس لازدهار الدولة الإسلامية، ولكن لا يوجد في وقتنا الحالي جهاد في سبيل الله، بينما يوجد أفعال تشبه الجهاد في سبيل الله، ويمكن بيانها في الآتي:

  • الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: فقد جاء الله تعالى بما يؤكد على أن ذلك بمثابة الجهاد في سبيل الله، حيث قال تعالى (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّـهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ).
  • التعاون مع قوات الأمن لمحاربة الفساد: إن كان الفرد يقوم بذلك ونيته خالصة لله عز وجل، يحتسبه الله من المجاهدين في سبيله بإذن الله، فتكون نيته أن يطهر الوطن من المفاسد والتخلص من الأعداء.
  • المعاملة الحسنة: فقد روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه وقال: (قِيلَ: يا رَسولَ اللَّهِ أيُّ النَّاسِ أفْضَلُ؟ فَقَالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: مُؤْمِنٌ يُجَاهِدُ في سَبيلِ اللَّهِ بنَفْسِهِ ومَالِهِ، قالوا: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: مُؤْمِنٌ في شِعْبٍ مِنَ الشِّعَابِ يَتَّقِي اللَّهَ، ويَدَعُ النَّاسَ مِن شَرِّهِ).
  • التمسك بالطهارة والمواظبة على الصلاة: روى أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال (أَلا أدُلُّكُمْ علَى ما يَمْحُو اللَّهُ به الخَطايا، ويَرْفَعُ به الدَّرَجاتِ؟ قالُوا بَلَى يا رَسولَ اللهِ، قالَ: إسْباغُ الوُضُوءِ علَى المَكارِهِ، وكَثْرَةُ الخُطا إلى المَساجِدِ، وانْتِظارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ، فَذَلِكُمُ الرِّباطُ).
  • الحج والعمرة: قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عليها (يا رسولَ اللهِ، هل على النِّساءِ مِن جِهادٍ؟ قال: نعمْ، عليهنَّ جِهادٌ لا قِتالَ فيه؛ الحجُّ والعُمرةُ) فالحج والعمرة بمثابة الجهاد في سبيل الله بالنسبة لنساء المسلمين.

فضل الجهاد في سبيل الله

بدأ الجهاد في سبيل الله في عهد سيدنا إدريس الذي يعد قومه عن عبادة الله فأمر الله عز وجل بقتالهم، ونظرًا لما وضح في حديث نبي الله محمد أن رباط في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها، يمكن الاستدلال على أن فضل الجهاد في سبيل الله عظيم ويتمثل في الآتي:

1- نيل رضا المولى عز وجل

قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)، فالمسلم الذي يضحى بنفسه وماله في سبيل الله يكتب الله له الجنة.

فمن يفي بعهده إلى الله يفي الله بعهده له ويعده بجنات وفوز عظيم، حيث أن تكون نيته أن يستبدل الدنيا الفانية بالآخرة الدائمة ونيل مكانة عظيمة فيها بجانب النبي والصحابة رضوان الله عليهم.

2- يحب الله المجاهدين

أكد الله عز وجل في كتابه الكريم وقال (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ)، حيث من يحرص على حماية الإسلام ونشر الدين بأي وسيلة ممكنة وتكون نيته خالصة لله، يحبه الله ويرزقه فضل وأجر عظيم.

3- الوصول إلى أعلى درجات الجنة

قال الله تعالى (الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ * يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ)، فقد أكد الله عز وجل أنه يفضل المجاهدين في سبيل الله في أي حال من الأحوال، وميزهم بمنزلة عظيمة في الجنة.

لا يعد الجهاد في سبيل الله متاح في الزمن الحالي لكن على المسلم المداوم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لنيل فضائل بمثابة فضائل الجهاد في سبيل الله.