ما أعلى مرتبة من مراتب الدين؟ وكم عددها؟ تلك المراتب التي ما إن ألمّ بها العبد وأدركها كان أقرب إلى الله وصادقًا في عهده وعبادته، فعند تدارك تلك المراتب جميعها يحشر الله عبده في زمرة الصالحين المخلصين من العباد، حيث يكون العبد متبعًا للعقيدة وما انطوت عليه من أوامر ونواهي.

ما أعلى مرتبة من مراتب الدين

إن مراتب الدين هي المستويات الثلاثة التي يجب أن يسعى العبد إلى الوصول إليها وإدراكها، وهي:

  • مرتبة الإسلام: أي الإلمام بالأسس التي بُني عليها الدين الإسلامي.. من أقام تلك الأركان فكأنما أقام الدين، وهي: الشهادتين، إقامة الصلاة، إيتاء الزكاة، صوم رمضان، حج البيت لمن استطاع إليه سبيلًا.
  • مرتبة الإيمان: يأتي من التصديق والاطمئنان بأن الله هو من يستحق العبادة وحده، وأركانه ستة: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وقدره في خيره وشره.
  • مرتبة الإحسان: أعلى مرتبة من مراتب الدين، أي يُحسن العبد فيما يفعله ويتقنه، ويعطي الحقوق لأصحابها، وينصف حق الله في العبادة.

بذلك علمنا أعلى مراتب الدين الثلاثة، وفيما يلي مزيدًا من التفصيل حول الإحسان.. فإن ما يفعله العبد من إحسان يقابله الله بأضعاف منه، هذا وإحسان الرحمن لا يضاهيه عطاء آخر.

درجات ومراتب الإحسان

أخذنا من مشكاة النبوة حقيقة الإحسان ومعناه في الشريعة، على أن له مراتب ودرجات عدّة، وهي الأفضل عند الله تعالى في مراتب الدين.

عندما سُئل النبي –صلى الله عليه وسلم- عن الإحسان فقال: “أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك“، فهذا ما جاء في حقيقة الإحسان وجوهره، على أن درجات الإحسان جاءت كالتالي:

1- المراقبة والمشاهدة وخشية الله

أن يقوم العبد بعبادة خالقه وكأنه يراه، فالرؤية من شأنها أن يكون محلها القلب لا العين، فينظر إلى الله في كل عبادة يفعلها وكل عمل صالح يقوم به، ليكون الجزاء عند الله من جنس العمل.

فمن عبد الله خير عبادة في الدنيا له خير الجزاء في الآخرة، ومن يخشى الله ويخافه في كل فعل فإنه يتبع الأوامر ويترك النواهي والمعاصي.. أما من يُعرض عن خشية خالقه فإنه محجوب عن رؤية الله بقلبه، فمن لا يراقب الله في الدنيا يكون جزائه أن يُحجب عن رؤيته في الآخرة.

يُعبر عن الإحسان بأنه رسوخ القلب في العرفان ليكون الغيب كما هو العيان، في معنى أن يكون العبد على علم بأن معرفة الخالق تكون دون رؤيته الفعلية إنما رؤيته بالقلب.. من هنا لزامًا على العبد أن يستدعي خشية الله والخوف منه، وتعظيمه، وإعلاء هيبته.. ويبذل الجهد حتى ينال من مراتب الإحسان أعلاها.

2- الحياء من الله

مرتبة أعلى من سابقتها في مراتب الإحسان، تلك المرتبة ناتجة عن معرفة العبد بأن خالقه يراه في كل حال، فالله يطلع على العبد في كل أمر، وهو عالم بكل شيء، لا يخفى عنه شيء.. من هنا يستحي العبد أن يفعل ما هو في معصية الله، ويستحي ألا يفعل ما أمره الله به.

فمن لا يستحي من الله عز وجل يكون قد جعله أهون الناظرين إليه والعياذ بالله، فيستحي من بشر مثله ولا يستحي من خالقه سبحانه.. فيقول الصالحين إن العبد عليه أن يستحي من ربه على قدر قرب الله من قلبه.

3- الأنس بالله

إنها بحق تعتبر أعلى مرتبة من مراتب الدين، لأنها أعلى مرتبة في الإحسان، تنطوي على الأنس بالله والاطمئنان به.. ألم يخبرنا الخالق أن بذكره يطمئن القلب وتهدأ النفس ويستكين الفؤاد.

فالفرح بعبودية الله هو من أعلى مراتب الإحسان، فمن لا يأنس بوجود الله لا يأنس الله به، فمن الأقوام من استأنسوا بالخالق فكان الله أنيسهم، وأوجد لهم من كل هم فرج ومن كل كرب خلاصًا، ومن كل ضيق مخرج.. ورزقهم العافية في البلاء والمحن.

أمثلة على الإحسان

بالنظر إلى أعلى مرتبة من مراتب الدين، ربما يعتقد العبد أن الوصول إليها صعبًا، ولا يعلم أنه في أعمال بسيطة إن قام بها بإخلاص فإنه يصل إلى تلك المرتبة العالية.. حيث تتجلى صور الإحسان في:

  • نصرة المظلوم على الظالم
  • بر الوالدين في المحيا والممات
  • كف الأذى
  • الحفاظ على أموال اليتامى
  • صلة الرحم
  • التلطف في القول مع الناس
  • إطعام الحيوان إن جاع أو عطش
  • مداواة المريض
  • عدم تكليف أحد ما لا يطيق
  • الرفق في القول والعمل
  • تخليص العمل من الغش والتضليل والتدليس
  • ستر العورات
  • عدم الازدراء والاحتقار
  • إيصال النفس إلى الغير على قدر السعة
  • قضاء الحاجات
  • الدعاء والاستغفار
  • صيانة الحقوق
  • تربية الأبناء بالحسنى
  • إرشاد الضال إلى الهداية
  • مساعدة الفقراء والمحتاجين
  • القتال في سبيل الله والمستضعفين

فقد اعتنى الإسلام بتلك المرتبة العظيم، ووجد في القرآن الكريم آيات في غير موضع تنم عن فضل الإحسان، وعظيم منزلته الجليلة، فالله قد أخبرنا أنه سبحانه يُحب المحسنين.

مقامات الإحسان

إن الإحسان في عبادة الله له ركن يأتي على درجتين متفاوتين، أولاهما أن يعبد المؤمن ربه كأنه يراه، أي تكون عبادته ناتجة عن رغبة في التقرب إلى الله وطمع منه في ذلك، وتلك هي الأحرى والأجدر.

أما عن ثانيهما فهي عبادة الله كأنه يرى العبد، وتكون تلك العبادة بالنظر إلى أن الله يرانا في القول والفعل، ما يستتبع الخوف والرهبة منه وخشيته في الابتعاد عن أوامره واقتراف ما نهى عنه.. فمن لم يستطع أن يعبد ربه كأنه يراه رأي العين فله أن ينزل إلى المقام الثاني في الإحسان، وهو أن يعبد الله عن خشية وخوف.

لا يكون إعلاء الدين بالقول فقط، إنما بالجوارح أيضًا، فالقلب هو محل الإيمان الصادق والإسلام الحق والتعبد دون رياء.