ما المراد بالروح في قوله تعالى فأرسلنا إليها روحنا؟ وما سبب نزول الآية؟ فقد أنزل الله عز وجل آيات القرآن الكريم ليستدل منها العباد عما كان يحدث للأقوام السابقة، وحقيقة قصص الأنبياء السابقين لمحمد والأحكام والشرائع الخاصة بالدين الإسلامي الحنيف، لذا يجب التمعن والتأمل في آيات القرآن لمعرفة تفسيرها وما تشمله في معناها.

ما المراد بالروح في قوله تعالى فأرسلنا إليها روحنا

تلك الآية من سورة مريم التي أنزلها الله عز وجل في مكة أشار فيها المولى عز وجل إلى ما حدث للسيدة مريم عندما اتخذت من دون أهلها سترًا عن الناس، وذلك عندما حملت في سيدنا عيسى بدون أن يمسسها بشر، حيث أمر الله عز وجل سيدنا جبريل أن ينفخ في لباسها ومن ذلك أصبحت حاملًا، فما المراد بالروح في قوله تعالى فأرسلنا إليها روحنا؟

قد أمرها الله أن تتوجه إلى مكان يلي المشرق وتنتبذ أهلها ليظلها بالشمس ويجعلها تحجبها، حيث أرسل لها سيدنا جبريل عليه السلام، فإجابة سؤال ما المراد بالروح في قوله تعالى فأرسلنا إليها روحنا؟ تكمن في أن الروح التي يقصدها المولى عز وجل هي سيدنا جبريل عليه السلام.

فأرسل الله عز وجل سيدنا جبريل لمريم في صورة بشر لأنها لم تتحمل أن تنظر لسيدنا جبريل في صورته الحقيقية، لكنها لما رأته في صورة بشر حسن اعتقدت أنه يريد أن يسمها بسوء، فخوفته بالله عز وجل أنه يمكن أن يخسر رحمة الله عز وجل إن كان يريدها على نفسه.

صفات سيدنا جبريل

أخرج البخاري حديث صحيح عن عكرمة وقال: “جبروميك وسراف: عبد؛ إيل: الله”، وذلك يشير إلى معنى اسم جبريل وهو عبد الله، فهو من الملائكة التي سخرها المولى عز وجل بنزول الوحي على الأنبياء ومنهم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

بذلك يكون ميز المولى عز وجل سيدنا جبريل عن سائر الملائكة، فهو الوحيد المكلّف بتنزيل الشرائع والإبلاغ بالوحي، كما خصه بالكثير من الصفات وهي تتمثل في الآتي:

  • القوة البالغة: قال الله تعالى (ذِي قُوَّةٍ) في القرآن الكريم واصفًا جبريل عليه السلام، فهو كان مكلف بمهام صعبة تتطلب تلك القوة، فله ستمائة جناح بخلاف غيره من الملائكة الذين يمتلكون مثنى ورباع.
  • الأمانة: إن كان سيدنا جبريل لا يتصف بالأمانة لم يكن ليختره الله عز وجل لنقل الوحي وتوصيل العلوم المختلفة الخاصة بالشرائع.
  • العلم الواسع: قال الله تعالى (مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى*وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى*إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى*عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى*ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى) [سورة النجم 2:6]، وذلك يشير إلى أنه من قام بنقل الكثير من العلوم.

أعمال سيدنا جبريل

إن كانت إجابة سؤال ما المراد بالروح في قوله تعالى فأرسلنا إليها روحنا؟ تشير إلى سيدنا جبريل وأنه من جاء للسيدة مريم يبشرها بحملها بعيسى عليه السلام، فيرجى العلم أن ذلك لم يكن الأمر الوحيد الذي كُلف به فكان له الكثير من الأعمال منها ما يمكن بيانه في الآتي.

فقام سيدنا جبريل بمؤازرة سيدنا موسى عليه السلام يوم الزينة، كما بشره بالرجل الذي يكون جليسه في الجنة، وهو رجل تدعو له أمه باستمرار أن يكون جليس موسى بسبب رعايته له واهتمامه بها، كما كان يكره فرعون حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “قال لى جبريل: لو رأيتنى وأنا آخذ من حال البحر فأدسه فى فم فرعون، مخافة أن تدركه الرحمة” [صحيح الترمذي].

كما جاء لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وهو في الرابعة من عمره عندما شق صدره وأخرج منه الجزء الأسود وغسل قلبه في وعاء من ذهب، حيث روى أنس بن مالك “أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان فأخذه، فصرعه، فشق عن قلبه، فاستخرج القلب، فاستخرج منه علقة، فقال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم، … فقالوا: إن محمدًا قد قُتل، فاستقبلوه وهو منتقع اللون. قال أنس: وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره”. [صحيح مسلم].

كذلك بالإضافة إلى أنه المقصود في إجابة سؤال ما المراد بالروح في قوله تعالى فأرسلنا إليها روحنا فيجدر الإشارة أنه من قام بمرافقة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رحلة الإسراء والمعراج، كما تجسد في صورة صحابي ليعلم المسلمين أمور دينهم وكان يسلم على الرسول بقول “السلام يقرؤك السلام”.

من القرآن الكريم عن سيدنا جبريل

قد تمت الإشارة إلى مكان سيدنا جبريل في القرآن الكريم بعدة مواضع نتناولها فيما يلي:

قال تعالى في سورة النجم: (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى) [5:6].

في سورة البقرة: (قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ * مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ). 97

بسورة التحريم: (إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ). [4].

من السنة النبوية عن سيدنا جبريل

أكد صلى الله عليه وسلم على قوته والكثير من صفاته وفسر ماهية إلى الصحابة في عدة أحاديث، حيث اشتهر سيدنا جبريل بالقوة الخارقة فهو من قام باقتلاع مدينة سيدنا لوط ورفعها إلى السماء حتى سمع أهل السماء صياح كلابهم وقلبها وأنزلها إلى الأرض مرة أخرى، حيث توجد بعض الأحاديث التي تشير إلى صفاته وهي كالتالي:

فعن عبد الله بن مسعود قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السماء للسماء صلصلة كجر السلسلة على الصفا، فيصعقون، فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم جبريل، حتى إذا جاءهم جبريل فزع عن قلوبهم. قال: فيقولون: يا جبريل ماذا قال ربك؟ فيقول: الحق، فيقولون: الحق، الحق”. [صحيح الجامع]، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في وصفه “رأيت جبريل له ستمائة جناح” [صحيح الجامع].

بينما قالت عائشة رضي الله عنها: إِنَّما ذلكَ جبريلُ، وما رأيْتُهُ في الصُّورَةِ التي خُلِقَ فيها غيرَ هاتَيْنِ المَرَّتَيْنِ رأيْتُهُ مُنْهَبِطًا مِنَ السَّماءِ سادًّا عِظَمُ خلقِهِ ما بين السَّماءِ والأرضِ” [صحيح الجامع].

كان جبريل عليه السلام أنيس الرسول في وحدته وصديقه في شدته وهو أكثر من اشتاق رسول الله للقائه، حيث وجده في صورته الحقيقة مرتين يوم نزول الوحي وليلة الإسراء والمعراج.