ما حكم من أنكر ركنًا من أركان الإيمان؟ وما هي أركان الإيمان؟ نعلمُ أن تلك الأركان هي الأساس الذي بُنيت عليه العقيدة، فلا تكون العبادة على نحوها الصحيح دون توافر الإيمان، النابع من يقين المرء بربه واطمئنانه به، مما يعني أن تلك الأركان ترتبط جليًّا بمعتقدات المرء وأفكاره التي تنعكس في سلوكه بطبيعة الحال.. فما الحال لمن ينكر ركن من تلك الأركان؟.

من أنكر ركنًا من أركان الإيمان فإنه

لا نستمد أي حكم في الدين إلا امتثالًا لما أخبرنا الله تعالى به في محكم التنزيل، وهنا نشير إلى الآية الكريمة في سورة النساء:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِن قَبْلُ ۚ وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (136)”.

لمّا كانت أركان الإيمان مرتبطة بصحته، فإن وجود أي خلل في إحداها يتراتب عليه خلل في معتقد العبد، مما يعني أن الحكم على من أنكر ركنًا من أركان الإيمان هو الكفر والضلال.. كما تبين في الآية الكريمة في سورة النساء:

إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَٰلِكَ سَبِيلًا (150)”.

كما أن من يُنكر ركنًا من أركان الإسلام فيعتبر من المرتدين عن الدين، على سبيل المثال لمن لا يجزم بما أمر الله به في تحريم الربا أو الزنا وما إلى ذلك.. فقد جعل الله تعالى في الإيمان والإسلام أركانًا واضحة يجب على كل مسلم الإقرار بها وعدم إنكارها حتى يكتمل إيمانه.

لذا من يُنكر ركنًا من أركان الإيمان يُعد إيمانه ناقًصًا كذلك.. لأن الدين نزل كاملًا دون نقص، فلا يجب الإيمان ببعضه وإنكار البعض الآخر.

أركان الإيمان الستة

نعلم أن الإيمان يأتي من اليقين والوجود والتصديق، فالمؤمن بشيء لا ينتابه الشك تجاهه، والإيمان من مراتب الدين التي يجب أن يصل إليها المسلم ويدركها.. وكما أن للإسلام أركان وأساسيات بني عليها، نجد أيضًا أن للإيمان أركان على المسلم إدراكها جميعًا وهي ستة أركان تتضح فيما يلي:

1- الإيمان بالوجود الإلهي

أن الله واحد أحد لا إله إلا هو ليس له شريك ولا ولد، هو خالق كل شيء وهو القادر على كل شيء والعالم ببواطن الأمور وظاهرها.. والإيمان بالله لا يكون باللسان فحسب، إنما بالجوارح أيضًا، فيكون القلب مؤمنًا بوجود إله واحد أحد له الملك والملكوت.

2- الإيمان بالكتب السماوية

نعلم أن الله أنزل رسله برسالات، فالتوراة والإنجيل والزبور والقرآن الكريم هي الكتب السماوية التي أنزلت بكلام الله تعالى لهداية العباد، ليبين لهم أسس الدين وقواعده، ونحن نأخذ من آيات القرآن الكريم العظات والعبر، التي كانت في سلفنا الصالح والصحابة والتابعين، فهو الذكر الحكيم المنزل على أشرف الخلق، الذي أنزله الله كمعجزة له لهداية القوم الكافرين.

3- الإيمان بالرسل

فالله سبحانه وتعالى أرسل إلى الناس رسلًا بالهدى والحق، ليرشدونهم إلى الدين والعبادة والتوحيد، حتى لا يكون عند العباد حجة في عدم معرفة أصول العبادة، فقد اصطفى الله سبحانه وتعالى من عباده رسلًا صالحين، لا نعلم عددهم، وكان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء والمرسلين.. فالإيمان بوجود الرسل جميعًا هو من أركان الإيمان التي لا يجب إنكارها.

4- الإيمان بالملائكة

أن يعلم المؤمن أن هناك من خلق الله ممن خلقوا من نوره يسبحون الله دومًا ولا يشركون به شيئًا، كلفهم الله بمهام معينة، منهم من يكتبون كل صغيرة وكبيرة للعبد، ومنهم من يقبض الروح، ومنهم من أرسل بالوحي وهو جبريل عليه السلام.. فلا يجب على العبد أن يشكك في خلق الله شيئًا.

5- الإيمان باليوم الآخر

أن يؤمن العبد بأن هناك ثواب وعقاب وجنة ونار، لذا ينتبه إلى ما يقوم به في دنياه، فالأعمال الصالحة التي تزيد من ميزان حسناته تجعله راغبًا في الاستزادة حتى ينال نعيم الجنان، وعلى العكس عليه أن يدرك أنه ليس عليه الإثقال في ميزان سيئاته حتى لا يُجازى بالعقاب الوعيد، فالإيمان بيوم القيامة والبعث والحساب مقرون بالإيمان بقدرة الله تعالى.

6- الإيمان بالقدر خيره وشره

حيث إن الإيمان لا يقترن بالسخط على القضاء والقدر، يجب أن يرضى العبد بكل ما هو مكتوب في حفيظته ولا يعترض على ما كتبه الله له في اللوح المحفوظ.. ويكون راضيًا شاكرًا لله تعالى على نعمه التي لا تُعد ولا تحصى.

ربما هذا الركن من الإيمان هو ما يجهله الكثيرون، دون معرفة بأنه من صلب الإيمان وجوهره، فالسخط على القضاء من أكثر ما يجعل العبد بعيدًا عن استشعار رحمة ربه.

ثمرات الإيمان الصادق

عندما يعرف العبد حكم من يُنكر ركنًا من أركان الإيمان، يجد أن فيه الهلاك والضنك الشديد، من هنا عليه أن يطلع على ثمرات الاعتقاد في أركان الإيمان جميعًا، والتي تتجلى فيما يلي:

  • تسليم المرء بأن كل أمر مقدر من الله، فلا يجزع من الابتلاء، ويكون على يقين بأن الله لا يكتب إلا خيرًا.
  • زيادة نفور العبد من المعاصي والخطايا واقترابه من الطاعات والعبادات على أتمّها، لأنه يدرك حقيقة ما يؤول إليه بعد فنائه.
  • حبه للرسل والأنبياء وصفاتهم التي منحهم الله إياها، وجعلهم المصطفين من الخلق، والاعتبار من قصصهم وتجاربهم.
  • معرفة ما شرعه الله وما وضعه من أحكام، مما يزيد من معرفة الخالق ومحبته في قلب العبد، فيفعل ما يحب الله، ويبتعد عما يكره.
  • الشعور بالحضور الملائكي وحبّهم.. فمن يؤمن بالله يدعوه دومًا أن يرزقه حب من يُحبه سبحانه وتعالى.
  • الإيمان بالله يُثمر محبته في قلب العبد وخشيته والخوف من عذابه والتقرب إليه قولًا وفعلًا بالصالحات من العمل، والوصول إلى أعلى مراتب الدين.
  • الإيمان يصل بالفرد إلى الأنس بالله، والإحسان إلى العباد، فيجزيه الله خير الثواب ومن جنس عمله أضعافًا مضاعفة.

تتجلى ثمار الاعتقاد اليقيني في أركان الإيمان في شعور العبد بالطمأنينة والسكينة وراحة البال والقلب، واتخاذ النهج الصائب الإيجابي.