من أول من ضبط الأحرف بالقرآن الكريم؟ وكيف حدث هذا الأمر؟ إن ضبط القرآن الكريم لم يكُن بالأمر المهم في عصر صدر الإسلام بسبب قوة وفصاحة العربية، فلم يكن في حاجة لوضع النقاط على الحروف ليستطيع قراءتها، بينما اضطر لضبط أحرف القرآن عندما كثر عدد الوافدين على الإسلام من غير العرب، فكان هؤلاء في حاجة إلى ضبط أحرف المصحف حتى يسهل عليهم قراءته.

من أول من ضبط الأحرف بالقرآن الكريم

اختلف العلماء والمؤرخون على الذي قد قام يضبط أحرف القرآن الكريم فالبعض منهم يرى أنه: “العالم أبو الأسود الدؤلي” والبعض الآخر يرى أنه: “تلميذه عاصم بن نصر بن عاصم الليثي”، حيث اشتهر كليهما بالعلم والمعرفة والرصانة والقيمة العليا في علم النحو والصرف والكثير من العلوم اللغوية الأخرى.

من هو أبو الأسود الدؤلي

هو ظالم بن عمرو بن سفيان الدؤلي الكناني، من المعروف عنه أنه أول من وضع علم النحو، وفي سياق ذكر إجابة سؤال من أول من ضبط الأحرف بالقرآن الكريم؟ فهو أبو الأسود، من خلال وضع النقاط العربية عليها بأمرٍ من الخليفة علي بن أبي طالبٍ كرم الله وجهه.

قد ولد أبو الأسود قبل بعثة النبي ولم يدركه ولكنه آمن به وإن لم يره، وهو معدود في طبقات التابعين، وقد كان على صلةٍ بالخلفاء الراشدين لا سيمًا الخليفة علي بن أبي طالب ابن عم النبي -صلى الله عليه وسلم- فقد صحب أبو الأسود سيدنا علي بن أبي طالب في فترة خلافته، وقد شهد معه أكثر من معركة مثل معركتي صفين والجمل.

لُقِب أبو الأسود الدؤلي بملك النحو إذ أنه أول من قد ضبط قواعد النحو وأسس كثيرًا من أبوابه مثل باب الفاعل والمفعول وحروف النصب والجر والجزم، فذلك الأساس الذي وضعه قامت عليه مدرسة النحو بالبصرة.

عُرِف عن أبو الأسود الدؤلي كتابته للشعر وخاصةً شعر الحكم واشتهرت أبياته في الأدب العربي ولعل من أشهرها قوله: “لَا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِيَ مِثْلَهُ ** عَارٌ عَلَيْكَ إِذَا فَعَلْتَ عَظِيمُ“، وقد توفي بعد إصابته بمرض الفالج بالبصرة عام 69هـ، عن عمر ناهز 85 عام.

كيف ضبط أبو الأسود الدؤلي القرآن

اُختلف في القصة التي ترتب عليها علم النحو، فهناك قصة تعود إلى أن الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قد سمع أحد العرب يقرأ القرآن ويلحن في قراءته فذهب إلى الخليفة عثمان بن عفان ليطالبه بجمع وضبط القرآن حتى لا يختلف في قراءته ويتفرق المسلمون، فأمر الخليفة عثمان بن عفان بجمع القرآن وضبطه.

بالإضافة إلى قصة مختلفة تعود إلى أن الخليفة علي بن أبي طالب قد سمع أحد العرب يلحن في الكلام فطلب من أبو الأسود الدؤلي بوضع علم يضبط العربية فوضع علم النحو وأسسه ثم قام بضبط القرآن الكريم، ليقرأه العربي والأعجمي بنفس الطريقة، وييسر على الوافدين على الإسلام من غير العرب قراءة القرآن وتفسيره.

انطلق أبو الأسود الدؤلي إلى زياد ابن أبيه وطلب منه أن يدفع له بكاتب يساعده على نقط المصحف، فقال أبو الأسود للكاتب: “إذا رأيتني قد فتحت فمي بالحرف فانقط نقطة أعلاه، وإذا رأيتني قد ضممت فمي، فانقط نقطة بين يدي الحرف، وإن كسرت، فانقط نقطة تحت الحرف، فإذا أتبعت شيئًا من ذلك غُنّة فاجعل مكان النقطة نقطتين”.

ذكر اللغة العربية في القرآن

في سياق الإجابة عن سؤال من أول من ضبط الأحرف بالقرآن الكريم؟ يمكن الإشارة إلى أنه قد شرف الله اللغة العربية بذكرها في غير موضع في القرآن الكريم، فأنزل بها القرآن ولا يمكن فهم القرآن دون فهم واعدها ومعانيها، فنستطيع من خلالها فهم القرآن واستنتاج الأحكام الشرعية الموجودة فيه، ومن تلك المواضع:

  • “إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ” سورة يوسف، هُنا يكرم الله فيها اللغة العربية بأنه سبحانه وتعالى قد أنزل القرآن الكريم الكتاب الذي أنزل على خاتم الأنبياء والمرسلين بها، فجعله قرءانًا عربيًا؛ تكريمًا للغة العربية والعرب.
  • “كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ” سورة فصلت، تدلل على تعظيم الله تعالى للغة العربية إذ أنزل بها كتابه الأخير على نبيه الكريم محمد -عليه الصلاة والسلام- ليكون رسالة للناس جميعًا باللغة العربية لعلهم يعلمون.
  • “وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (27) قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ” وصف الله القرآن الكريم في تلك الآيات المحكمات أنه غير ذي عوجٍ وأنه قرآنا عربيا إعلاءً لقيمة اللغة العربية بين اللغات كلها فهي المختصة بالذكر الحكيم ولسان خاتم الأنبياء والمرسلين.

ضبط الأحرف القرآنية من أهم الخطوات التي قد هم بها أبو الأسود الدؤلي، حتى يمنع قُراء القرآن الكريم من غير العرب من اللحن والخطأ في القراءة والتلاوة.