من هو الذي جهز جيش العسرة؟ ولماذا سُمي جيش العسرة بهذا الاسم؟ يحفل التاريخ الإسلامي بكثير من الغزوات التي كانت بقيادة أشرف الخلق –صلى الله عليه وسلم- لتستمر الفتوح الإسلامية بعد وفاته على يد الخلفاء الراشدين.. وكان الصحابة الكرام يتصدقون بكل ما يمتلكون من أجل تجهيز تلك الغزوات والجيوش رغبة في الجهاد في سبيل الله.

من هو الذي جهز جيش العسرة

قال الله تعالى في سورة التوبة: “لَّقَد تَّابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ (117)”، بعدما أذن الله عز وجل لرسوله بقتال المشركين للدفاع عن الإسلام بسبب كثرة الظلم الذي تعرض له المسلمون، دخل الرسول في غزوات عديدة لنشر الدعوة الإسلامية.

من ضمن ما كان في مواجهة الكفار هو جيش العسرة، والصحابيّ الجليل الذي جهز جيش العسرة هو عثمان بن عفان، ثالث الخلفاء الراشدين بعد وفاة عمر بن الخطاب 644 ميلاديًا، وذي النورين –نظرًا لزواجه من أم كلثوم ورقية- بنات الرسول، وهو من العشرة المبشرين بالجنة رضي الله عنهم جميعًا.. بذلك علمنا من هو الذي جهز جيش العسرة.

المساهمون في تجهيز الجيش

إنّ عثمان بن عفان لم يكن وحده الذي جهز جيش العسرة، إنما كان أكثر إنفاقًا ممن شاركوا في تجهيزه، حيث تصدق بما يقرب من 1000 درهم، فساهم في تجهيز ثلث الجيش، أما بقية المساهمين كانوا:

  • عاصم الأنصاري: تصدق ب 90 أوقية.
  • عمر بن الخطاب: تصدق ب 200 أوقية.
  • عبد الرحمن بن عوف: 200 أوقية.
  • أبو عقيل: صاعًا من التمر.
  • أبو بكر الصديق: 4 آلاف درهم.

بذلك لم يترك عبد الرحمن بن عوف –رضي الله عنه- أي مال لأهله بعد تصدقه بذلك القدر لتجهيز جيش العسرة.. وعندما سأله الرسول عن ذلك أخبره أنه ترك لهم ما هو أخير، الرزق والخير بما وعد به الله ورسوله.

نستند هنا إلى حديث عن الرسول –صلى الله عليه وسلم-: “عن عمرَ بنَ الخطَّابِ قال: أمرَنا رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ يومًا أن نتصدَّقَ، فوافقَ ذلِكَ مالًا عندي، فقلتُ: اليومَ أسبِقُ أبا بَكْرٍ إن سبقتُهُ يومًا، فَجِئْتُ بنصفِ مالي، فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ: ما أبقيتَ لأَهْلِكَ؟ قلتُ: مثلَهُ، قالَ: وأتى أبو بَكْرٍ رضيَ اللَّهُ عنهُ بِكُلِّ ما عندَهُ، فقالَ لَهُ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ: ما أبقَيتَ لأَهْلِكَ؟ قالَ: أبقَيتُ لَهُمُ اللَّهَ ورسولَهُ، قلتُ: لا أسابقُكَ إلى شيءٍ أبدًا” (صحيح).

سبب تسمية جيش العشرة بهذا الاسم

إن غزوة تبوك هي التي تُسمى بغزوة العسرة، لذا فإن جيشها كان يُطلق عليه جيش العسرة، وجاءت تلك التسمية نتاجًا للحال السيئ الذي عانى منه المسلمون خلال الغزو، والذي تجلى فيما يلي:

  • كان لكل 10 أشخاص دابة واحدة.
  • نقص المال والماء، نظرًا لأن عام الغزوة هو عام قطف الثمار، فتعسر المسلمون في ترك أرزاقهم، وذهبوا إلى الجهاد.
  • قلة المؤن التي أزادت من المشقة.. كان لكل رجلين ثمرة واحدة.
  • ارتفاع درجة الحرارة، خاصة في الصحراء التي قطعها المسلمون سيرًا.

لذا من الجدير بالذكر أن الساعة التي واجه فيها المسلمون جيش الرومان سُميت بساعة العسر.

عدد المسلمين في غزوة تبوك

اختلف المؤرخون في تحديد عدد جيش المسلمين في غزوة العسرة، وكانت الآراء كما يلي:

  • منهم من ذهب إلى أنهم كانوا 30 ألف.. مثل ابن سعد وابن إسحاق والواقدي.
  • رواية أخرى تشير إلى أن عددهم كان يقرب من 40 ألف.
  • روي عن الحاكم في الإكليل عن الإمام أبي زرعة أن عدد المسلمين كان في الغزوة 70 ألف.
  • روي عن الصحابي معاذ بن جبل أن المسلمين خرجوا مع الرسول في تبوك وهم أكثر من 30 ألف.

نتاجًا لتلك الاختلافات، جمع الشاميّ بين الآراء المتباينة وقال إن من اعتبر أن عدد المسلمين 30 ألف من المحتمل أن يكون عدهم دون تابع، ومن اعتبرهم 70 ألف يكون عدهم مع التابع.

نتائج غزوة تبوك

نعلم أن غزوة تبوك كانت في العام التاسع من الهجرة، في شهر رجب، حينما تم إعداد جيش العسرة عند ثنية الوداع للسير إلى تبوك.

كانت الغزو إثر علم الرسول –صلى الله عليه وسلم- بنية هرقل والمتنصرة من العرب العازمين على غزو المسلمين في المدينة.. ومن الجدير بالذكر أن الغزوة لم يحدث فيها قتال مع الروم بخلاف بعض من السرايا التي أرسلها الرسول.

إلا أن تلك الغزوة حققت أهدافها وعاد منها المسلمون منتصرين، كما أنها فضحت خبايا المنافقين ونواياهم الخبيثة، ممن كانوا يريدون شق صفوف المسلمين، حيث إنهم استغلوا فترة غياب الرسول وعزموا على بناء مسجد في المدينة ليكون ممكانًا لهم للمكر والدسائس والمؤامرات ضد المسلمين، إلا أن النبيّ أدرك كمائنهم ولم يصلِ في المسجد.

كما أن في تلك الغزوة المباركة دلالة على أن الإيمان بالله يفوق كل زاد، فرغم قلة السلاح وقلة العدد والمال والقوت وغير ذلك من المتعسرات إلا أن الصحابة استطاعوا بفضل الله ورعايته الوصول إلى تبوك وتحقيق الانتصار على العدو كثير العدد المدجج بالأسلحة.

من جهز جيش العسرة فله الجنة

نعلم أنها آخر غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم، وكانت من أهم غزواته كذلك، فنظرًا لكونها في توقيت جدب وعسرة للناس حث النبي على الإنفاق فيها، ففي حديث عن الرسول: “من جهز جيش العسرة فله الجنة” (صحيح البخاري).

فاستجاب الصحابة لنداء الرسول، وعلمنا من هو الذي جهز جيش العسرة بأكثر من الثلث، وكم كان الصحابة الكرام –رضوان الله عليهم- في تسابق وتنافس في البذل والعطاء والإنفاق.

لما سارع الصحابة في العطاء، بصدقاتهم ونفقاتهم لتجهيز الجيش اشتاق الفقراء إلى البذل والإنفاق رغم ما بهم من فقر، فلم يعتبروا فقرهم حجة، بل شاركوا على قدر سعتهم من الإنفاق، ومثال على ذلك “أبا عقيل”.. الذي سخر من إنفاقه على مقدرته المنافقون، فنزلت فيه الآية الكريمة: “الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ ۙ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ” (79 سورة التوبة).

كما قال الله تعالى في سورة التوبة: “انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ” الآية 41، وفيما حث على جهاد النفس والجهاد في المال إن اقتضت الحاجة.

عندما رغّب الرسول أصحابه في تجهيز جيش العسرة ما كان منهم إلا التنافس على ذلك الفعل الجليل لتلبية النداء، كلٌ حسب وسعه.