هل الميت يشتاق لأهله؟ وهل يشعر بمن يدعو له؟ حيث إن عالم الأحلام مليء بالأسرار والخبايا التي لم تكتشف بعد، ويحتاج العديد من الأشخاص إلى التعرف على كل ما يراه الميت في نومته، وكل ما يشعر به وما لا يشعر به، وعلى الرغم من وجود العديد من الفقهاء والعلماء الذين يتعمقون جيدًا في الدين، إلا أن الآراء اختلفت حول هذا الأمر، وسنتعرف على إجابة هذا السؤال بشيء من التفصيل، من خلال السطور القادمة.

هل الميت يشتاق لأهله

لا يعلم أهل الدنيا أي شيء يحدث في عالم الموتى، فالميت حينما يغيب عن الحياة تنقطع أخباره وعمله، ولا يوجد أي وسيلة يمكن التواصل معه بها إلا من خلال عمله فقط، فهو ينتقل إلى حياة أخرى وعالم آخر وهو عالم البرزخ الذي لا نعلم عنه إلى الآن أي شيء خلاف الذي أتى به الوحي.

كان رد السلف على سؤال هل الميت يشتاق لأهله يكمُن في أن الميت يشعر بكل ما يدور حوله، كما أنه يسعد جدًا بزيارة أقاربه له، حتى أنه وقت الموت يعرف من يغسله ويناشده بأن يخفف عنه الغُسل، ولكن بالنسبة السوق بعد الموت فإنه على الأرجح لا يشعر به، حيث إنه يكون منشغلًا بحياته الجديدة.

سواء كانت تلك الحياة هي نعيم القبر أو وحشته، وفقًا لعمله في الدنيا، فندعو لجميع الأموات أن يخفف الله عنهم العذاب ويثبتهم في سؤال للقبر، ويجعله نعيمًا لهم، فالأموات يعيشون في عالم البرزخ لا يعلمون عنا شيء ولا نعلم عنهم شيء.

حال الميت في القبر

بعد أن تمكنا من التعرف على إجابة سؤال هل الميت يشتاق لأهله، يجدر بنا ذكر كافة التفاصيل حول الشخص الميت في قبره، حيث إن حينما يموت الشخص تنقطع جميع أعماله في الدنيا، ولا يستطيع أحد الوصول إلى ما يشعر به الميت أو يعلم حاله إلا بما ورد في القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة.

ورد في القرآن الكريم والسنة أن القبر مضموم بواسطة الأرض، وصمة الأرض لا ينجو منها أي ميت منها، ثم بعد ذلك يأتي الملكان الموكلان عن سؤال الميت عن دينه ورسوله، والجدير بالذكر أن الإجابة التي يقولها الميت هي التي من شأنها تحديد مكانه سواء كان الجنة أو النار.

فإن كان من المحسنين فباب الجنة يفتح له لا يغلق إلى يوم تقوم الساعة، أما في حال أنه كان من المخطئين فإنه يرى باب النار إلى يوم القيامة، وكل ما ذكرناه سالفًا يتم في عالم البرزخ، أو عالم الأموات في القبر، فهو العالم الذي يُفتح المتوفى من وقت قبضة روحه إلى يوم تقوم الساعة.

يمكن الاستدلال على ذلك من قول أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: “أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: إنَّ العَبْدَ إذَا وُضِعَ في قَبْرِهِ وتَوَلَّى عنْه أصْحَابُهُ، وإنَّه لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ، أتَاهُ مَلَكَانِ فيُقْعِدَانِهِ، فَيَقُولَانِ: ما كُنْتَ تَقُولُ في هذا الرَّجُلِ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأمَّا المُؤْمِنُ، فيَقولُ:

أشْهَدُ أنَّه عبدُ اللَّهِ ورَسولُهُ، فيُقَالُ له: انْظُرْ إلى مَقْعَدِكَ مِنَ النَّارِ قدْ أبْدَلَكَ اللَّهُ به مَقْعَدًا مِنَ الجَنَّةِ، فَيَرَاهُما جَمِيعًا – قالَ قَتَادَةُ: وذُكِرَ لَنَا: أنَّه يُفْسَحُ له في قَبْرِهِ، ثُمَّ رَجَعَ إلى حَديثِ أنَسٍ – قالَ: وأَمَّا المُنَافِقُ والكَافِرُ فيُقَالُ له: ما كُنْتَ تَقُولُ في هذا الرَّجُلِ؟ فيَقولُ: لا أدْرِي كُنْتُ أقُولُ ما يقولُ النَّاسُ، فيُقَالُ: لا دَرَيْتَ ولَا تَلَيْتَ، ويُضْرَبُ بمَطَارِقَ مِن حَدِيدٍ ضَرْبَةً، فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَن يَلِيهِ غيرَ الثَّقَلَيْنِ”.

إن عالم البرزخ الذي يعيش فيه المتوفى يختلف تمامًا عن عالمنا، حيث إن الحياة البرزخية تتعلق فيها الروح بالجسد، حيث إن الروح لا تكون في الجسد طوال الوقت، كما أنها لا تفارقه في جميع الأوقات أيضًا، أما بالنسبة لحقيقة البرزخ كاملة، فلا يمكن لأحد أن يتوصل إلى ما يحدث هناك بالتفصيل، والله وحده أعلم ما في القبور.

حقيقة أكل وشرب الميت في القبر

لا يعلم أهل الدنيا الكثير عن حياة الموتى في عالم البرزخ، وعلى غرار التعرف على إجابة سؤال هل الميت يشتاق لأهله، سوف نتطرق إلى إجابة سؤال آخر طالما طُرح من أهل الدنيا، وهو يدور حول حقيقة أكل وشرب الميت في القبر، فإن كانت الحياة البرزخية هي حياة الموتى، فهل يمكنهم تناول الطعام والشراب؟

الجدير بالذكر أن الميت لا يمكنه أن يأكل أو يشرب في القبر على الإطلاق، فحياة البرزخ ما هي إلا مراحل مختلفة، ورد بعضًا منها في النصوص القرآنية في الكتاب العزيز، فإن كانت إجابته على سؤال الملكين صحيحة فإنه يُنعم إلى يوم يبعثون، وذلك وفقًا لقول الله تعالى: “ثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ ۚ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ” (سورة إبراهيم الآية27).

يمكن الاستدلال من الآية الكريمة على أن القول الحق أو أعمال الميت أثناء حياته هي التي من شأنها تحديد مصيره، فإن كان عمله خير فسوف يرى نعم المصير، أما إن كان غير ذلك فله جهنم وبئس المصير، والله أعلم بكل شيء.

هل يستمع الميت لكلام الأحياء

يتساءل الكثيرون حول هل الميت يشتاق لأهله، الأمر الذي دفعنا نحو التطرق إلى معرفة كل ما يمكن للميت أن يفعل في الحياة البرزخية، حيث إن جميع الأشخاص يتحدثون إلى الموتى في الدعاء أو وقت الغُسل، أو عند زيارة القبر، ويحب جميعهم معرفة حقيقة سماعه الميت لهم صحيحة أم أقاويل.

الجدير بالذكر أن أهل العلم لهم رأيان مختلفان حول هذا الأمر، أحدهما بالتصديق والآخر بالنفي، الرأي الأول الذي كان يدور حول عدم صحة سماع الميت كلام الأحياء ورت عن فريق باحثين وفقهاء، ومن بينهم السيدة عائشة رضي الله عنها، وابن عباس مسعود والعديد من الصحابة الآخرون.

يمكن الاستدلال على صحة سماع الميت لكلام الأحياء من خلال قول الله تعالى: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ}، وتم تفسير تلك الآية الكريمة على أن الله عز وجل ختم على سمع الموتى، وبالتالي لن يستطيعون سماع ما يقول الأحياء، وصدق الشيخ الألباني على ذلك قائلًا (لم أر من صرّح بأنّ الميت يسمع سماعًا مطلقًا كما كان في حياته ولا أظنّ عالمًا يقول به).

أما الرأي الثاني والذي كان يدور حول صحة سماع الميت لكلام الحي كان من خلال مجموعة من أهل العلم، وقالوا إنه يسمع في جميع الأحوال، وبعضهم أقر على أن الميت يستمع فعلًا إلى كل ما يقال لهم، ولكنهم لا يمكنهم الانتفاع بكل ما يروا، وهو ما ورد عن ابن القيم أن الكافر المتوفى لا يمكنه أن يستمع إلى أي شيء في حياة الأحياء وينتفع بها.

حقيقة رؤية الميت لأهله

إن حياة الموتى أو عالم البرزخ من أكثر العوالم الخفية التي لم يتم ذكر الكثير عنها سواء في القرآن الكريم أو في السنة النبوية المطهرة، ولم يأتي أي نص صريح يفيد بأن الميت يمكنه رؤية الأحياء، ولكن أجمع العديد من الفقهاء على أن الميت يمكنه أن يشعر بكل من يزوره في القبر.

كما أنه من الواجب على أهل المتوفى أن يدعون له في زيارتهم ويترحموا عليه، حيث إن الدعاء هو أنفع الأشياء للميت، كما أنه يخفف عنه العذاب كثيرًا، وورد أن الميت يقوم بالسؤال عن أهله الذين لحقوا به في القبر كل يوم، ولكن أمر رؤيته لهم لم يرد في أي نص أو وحديث، لذا فإن الله عز وجل لم يأذن لنا بالاطلاع على هذه الحياة.

على الرغم من عدم معرفة حقيقة رؤية الميت لأهله أم لا، فإنه ثُبت في السنة النبوية المطهرة أن الميت وقت الدفن يشعر بكل من حوله، ويكمُن هذا الشعور في الأُنس والسمع وكذلك الاستبشار، لذا فمن غير المستحب الصياح والبكاء كل تلك الأشياء تجعله يخاف من الحياة القادم عليها، وأفضل شيء يجب فعله في ذلك الوقت هو الدعاء له.

ورد في صحيح مسلم أنّ عمرو بن العاص قبل أن يموت قال لأصحابه رضوان الله عليهم: “فإذا دَفَنْتُمُونِي فَشُنُّوا عَلَيَّ التُّرابَ شَنًّا، ثُمَّ أقِيمُوا حَوْلَ قَبْرِي قَدْرَ ما تُنْحَرُ جَزُورٌ ويُقْسَمُ لَحْمُها، حتَّى أسْتَأْنِسَ بكُمْ، وأَنْظُرَ ماذا أُراجِعُ به رُسُلَ رَبِّي”.

إن عالم الموتى أو حياة البرزخ مليئة بالأسرار التي لم يأذن لنا الله عز وجل بالاطلاع عليها، لذا فلا يجب التطرق نحو هذا الأمر كثيرًا والاكتفاء بما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.