يكون العمل صالحًا مقبولًا إذا توافرت فيه بعض الشروط، فقد حثنا الله سبحانه وتعالى ونبيه الكريم على القيام بالكثير من الأعمال الصالحة تقربًا لله تعالى لأن لها الأجر العظيم والثواب الكبير، إلا أنه يختلط على البعض صحّة العمل الصالح، فلا يكون دون شروط وضوابط من شأننا إيضاحها فيما يلي.

متى يكون العمل صالحًا مقبولًا

أمرنا الله سبحانه وتعالى أن نقوم بالأعمال الصالحة للاستزادة في الثواب والجزاء العظيم، فيكون الجزاء من جنس العمل، على أن ليس أي عمل يقوم به العبد يُعتد به صالحًا إن كان في أطر الخير، حيث إنه يتطلب شرطان حتى يقابله الجزاء العظيم، فيكون العمل صالحًا مقبولًا إذا توافر:

1- شرط الإخلاص

أن يكون العمل خالصًا لوجه الله تعالى، فلا يجب أن يشوب العمل شيء من الرياء، بأن يفعله العبد قاصدًا حديث الناس عن عمله وإعجابهم به وزيادة مكانته بينهم، وغير ذلك من صور الرياء فهذا يفسد العمل، فالله قد ذكر في محكم التنزيل أن العبادة مقرونة بالإخلاص، وأنه يُحب من عباده المخلصين في عبادتهم، لا المبتغين منها السمعة بين الخلق.

2- شرط المتابعة

ما يعني بها متابعة النبي صلى الله عليه وسلم، أي يكون العمل اقتداءً بسنته المطهرة، والابتعاد عن “المشاقة” وهي ما كان يفعله الكافرون تجاه النبيّ، أي يبتدعون ما لم يشرع به، وما لم يتعبد به يجعلونه عبادة بينهم، وهذا ما لا يجعل العمل مقبولًا.

شروط تحقق متابعة النبيّ

مما سبق نجد أن العمل حتى يكون حسنًا يقبله الله تعالى، يجب أن يكون (خالصًا صوابًا) في معنى أن الخلاص يكون لله سبحانه وتعالى، والصواب يكون على سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، أي يجتمع الإخلاص مع المتابعة في العمل ليكون صالحًا مقبولًا.. على أن المتابعة تتحقق بستة أمور، وهي:

  • سبب العبادة
  • جنس العبادة
  • صفة العبادة
  • قدر العبادة
  • مكان العبادة
  • زمن العبادة

أي لابد في إثبات العبادة طاعة الله، فعلى سبيل المثال، ذكر الله مشروع وهو عمل صالح، أما طريقة الذكر ربما لا تكون مشروعة، كمن يخصص عددًا بعينه لأجل غرض بعينه، كذلك الصلاة، فإنها فرض أما إن كانت في وقت لا يصح فيه الصلاة فإنها بذلك لا تكون صحيحة.

مثال آخر وهو الصيام.. لا يصح للعبد أن يتقرب إلى الله بصيام الليل، فالصيام عبادة في وقت بعينه، فالنيّة أيضًا لها أثر في العمل.. فعندما يريد العبد التقرب إلى الله بالصيام، فنقول ما صفة ذلك الصيام؟ وفي أي وقت يصوم؟ وكل هذا يوضع في الاعتبار.

ففي تلك البدع التي تقام باسم العبادة سوء أدب مع النبيّ صلى الله عليه وسلم وسنته العطرة، فما كان ليشرع تلك العبادات التي يعتبرها البعض من الأعمال الصالحة وهي بعيدة كل البعد عن الصلاح.

حيث يكون العمل صالحًا مقبولًا إذا توافق مع سًنة النبي ومنهاجه لا يخالفه في أي أمر من الأمور أو يبتدع أمرًا ويجزم أنه من سنته، فقد أوصى النبيّ أصحابه بتقوى الله، والطاعة (طاعة الله وطاعة رسوله).

أسباب عدم قبول العمل

أخبرنا الله في كتابه الكريم في غير موضع أنه لا يقبل العمل إلا إذا كان صالحًا خالصًا لوجه، ولا يقبل عمل المفسدين الذين يسعون في الأرض فسادًا ويلحقون الأذى بغيرهم، فلا يقبل من العبد عملًا أخلّ بالشروط المذكورة أعلاه.. كذلك لا يُقبل أي عمل في الحالات التالية:

  • من يكسب المال الحرام، فيكون سارقًا أو يتبع الربا والعياذ بالله، أو يكون مطففًا في الكيل والميزان، أو يأكل أموال اليتامى ظلمًا وبهتانًا، فكل ذلك من مفسدات المال والعمل أيضًا.
  • لا يقبل الله عملًا ممن يشرك به، أو كان مرتدًا عن الإسلام، لأن أعمال أولئك العباد تعتبر غير مقبولة تمامًا، فينتقصها أهم شروط القبول.
  • من يصر على المعاصي، كالزنا والكباشر وعقوق الوالدين وما إلى ذلك، فمن يقترفها لكنه يعمل عملًا صالحًا ويجاهد نفسه في البعد عنها، فإن الله يفتح أمامه أبواب رحمته ويقبل عمله.. أما من يفعلها عن إصرار وتعمد ويرفض التوبة إلى الله فهو من لا يقبل الله منه عملًا.

كيف يحقق العبد شروط قبول العمل

عندما يعلم العبد أن عمله يكون صالحًا مقبولًا إذا توافرت فيه شروط الإخلاص وطاعة النبيّ، فإن عليه أن يحقق تلك الأسباب بمراعاة ما يلي:

  • أن يدعو الله على أن يعينه على الطاعة والإخلاص في العمل، ويطلب من الله دومًا ألا يكون للشيطان نصيبًا من عمله، ويجنبه الوقوع في الرياء.
  • التحقق من صحة الأحاديث التي ينشرها البعض، حتى لا يكون العبد عرضة للوقوع في البدع عن جهل منه بالدين.
  • من الممكن أن يحضر مجالس العلم الموثوقة ويعرف أصول الدين على يد من يدركون أحكامه، حيث إن تلك المجالس تؤدي إلى إيقاظ العبد من غفلته وإيقاظه بالإخلاص.
  • أن يراجع العبد نفسه على الدوام، ويتحقق من نيته عند القيام بالعمل الصالح، حتى لا يكون عمله صالحًا مقبولًا ليس به نفاق ولا رياء.
  • تفقد سُنة النبي الكريم ومعرفة أوامره ونواهيه، حتى يتسنى له اتباعها اقتداءً بالنبي الكريم.

إنما الأعمال بالنيات

لا يجب أن يغفل العبد عند القيام بأي من الأعمال استحضار النيّة، فهي لا يُستهان بها في تحديد جزاء العمل، فإن افترضنا أن نية الرياء موجودة بداخل العبد عند عمله، ولا يتظاهر بها، فأيضًا يكون بذلك مخالفًا لشروط قبول العمل الصالح.. فهي أصل من أصول الإسلام، تعتبر بمثابة الميزان الذي يحدد الأعمال في ظاهرها وباطنها.

فكما أن كل عمل لا يُراد به وجه الله تعالى يعتبر ليس من قبيل الأعمال الصالحة، كذلك كل من كانت نيته الإحداث في الدين لا يُعتد به من الدين في شيء، فالنية يقوم بها العبد في أي من الأعمال، من يصوم ينوي الصيام قبلها، ومن يصلي ينوي الصلاة.. وهكذا الأعمال الصالحة يجب أن ينوي فيها العبد التحلي بالإخلاص لله تعالى وأن عمله لا يشوبه شائبة في مخالفة الدين.

إنما يتقبل الله من المتقين

ذكرها الله على سبيل الاختصاص اللغوي في آياته الكريمة في غير موضع من القرآن، لبيان أن أي عمل صالح لا يُتقبل إلا بشرط التقوى، فمن شـأننا أن نضمن ما ذكرناه سابقًا ليكون العمل صالحًا مقبولًا إذا توافر في العبد تقوى الله.. والتي لا تتحقق إلا بالإسلام.

على أن تقوى الله تشمل الإخلاص والطاعة، فمن يتقِ الله فهو حسبه، ويكون له عونًا معينًا على كل عمل، كما أن من يتقِ الله لا يريد من العمل إلا الثواب والأجر العظيم.. فالمتقين لا يعيرون اهتمامًا بنيل إعجاب الخلق، إنما يريدون رضا الخالق، ولا تشغلهم السمعة والمكانة، ولا ينتبهون لأي مصلحة دنيوية، إنما يضعون في أنظارهم الجزاء الأخروي، راغبين من الله أن يجعلهم في كنفه ورحمته.

فضل القيام بالأعمال الصالحة

لما كانت هناك شروط لقبول العمل، وقد علمنا آنفًا أن العمل يكون صالحًا مقبولًا إذا استتبع الإخلاص لله وعدم الابتداع فيه بما يخالف السُنة، فإننا نشير هنا إلى جزاء الأعمال الصالحة، وهو الجزاء العظيم المترتب على طاعة الله وتجنب نواهيه، وكما ورد في الكتاب والسنة جاء كما يلي:

  • الرضا في الحياة الدنيا، واستشعار رحمة الخالق في كل قول وفعل، فمن يعمل صالحًا في دنياه يرزقه الله راحة البال والطمأنينة والسعادة ما دام حيًّا، ويجعل همومه خفيفة على قلبه ويفرج من كربه ويجعل له من كل ضيق فرجًا.
  • يكون أجر العمل الصالح مستمرًا لا ينقطع أبدًا، وهو الأجر غير الممنون الذي أشار إليه الله تعالى في كتابه الكريم.
  • ينال العبد محبة خالقه، وكفى بها محبة وجزاءً، فمن يعمل من العباد الصالحات دون انتظار مردود لها إلا عند الله، يكون الله له خير محسنًا كريمًا.
  • يغفر الله ما تقدم وما تأخر من الذنوب لعبده الدؤوب على الأعمال الصالحة، فيجعل حسناته تفوق نصيبه من السيئات، ويجزيه أضعافًا مضاعفة من إحسانه على الآخرين.
  • ينال الجنة ودار النعيم، وهكذا وعد الله المتقين المخلصين من عباده بأن لهم جزاء النعيم في الدنيا والآخرة.

نسأل الله تعالى أن يجعل كل أعمالنا صالحة خالصة لوجهه تعالى لا فيها نفاق ولا رياء ولا لأحد شيء منها ولا للشيطان نصيب منها، وأن يتقبلها منّا بقبول حسن.