شهدت الليرة التركية ارتفاعًا كبيرًا مفاجئًا من أدنى مستوي قياسي لها، حيث تعرضت لتقلبات هائلة بعد أن أعلن الرئيس “رجب طيب أردوغان” عن خطته لتعزيز انهيار العملة وحماية الودائع من التقلبات الواسعة للسوق.

ارتفعت الليرة التركية بقوة في سوق تداول العملات الأجنبية يوم الاثنين حيث سجلت مكاسب بنحو 25% في أكبر ارتفاع يومي لها منذ 1983، عقب تصريحات الرئيس “رجب طيب أردوغان” إن حكومته تخطط لإجراءات سريعة لتعزيز العملة والتي تضمخطةلحفاظمدخرات المواطنين من تقلبات الليرة التركية، وصرح أردوغان بأن حكومته سيمنح أصحاب الودائع بالليرة تعويضًا للخسائر التي لحقت بهم، في حال تخطي تراجعها أمام العملات الأخري سعر الفائدة التي تعهدت بها البنوك.

وقد سجلت العملة التركية أعلى مستوى يومي لها عند 11.0935 أمام الدولار الأمريكي خلال تداولات يوم الاثنين (20 ديسمبر) مرتفعة بنحو 25%، لكنها قللت بعض مكاسبها في وقت لاحق لتتداول عند 12.8373، وتتداول حاليًا فوق أعلى مستوى 13 مقابل الدولار الأمريكي، ويعتبر ذلك تعافي كبير في قيمة العملة التي سجلت أدنى مستوي تاريخي لها الذي يقدر بأكثر من 18 أمام الدولار الذي سجلته يوم الاثنين قبيل تصريحات الرئيس، جاءت تلك المستويات المنخفضة القياسية على إثر معدلات التضخم التاريخية التي وصلت في البلاد إلى أكثر من 21%.

وعلى الرغم من التقلبات الكبيرة التي شهدتها العملة التركية من ارتفاع بحوالي 25% مقابل الدولار، إلا إنها لا تزال منخفضة بأكثر من 40%من قيمتها منذ عام تقريبًا حتى الآن.

لماذا لا يقلق انهيار العملة أردوغان؟

على الرغم من استمرار وتيرة ارتفاع الأسعار، إلا أن أردوغان لا يزال مصرًا على دفع البنك المركزي للاستمرار في خفض سعر الفائدة، وقد قرر البنك المركزي التركي خلال اجتماعه في منتصف ديسمبرخفض سعر الفائدة لتصل إلى 14% من 15%للمرة الرابعة على التوالي خلال عدة أشهر.

وفقًا للمبادئ الاقتصادية، تستخدم البنوك المركزية أداة رفع سعر الفائدة لكبح معدلات التضخم المرتفعة، لكن أردوغان يعتبر هذه الأدوات بأنها “أم وأب كل شر”، يري الرئيس التركي وحلفاؤه أن أسعار الفائدة المنخفضة تمنح ميزة تنافسية للصادرات التركية والاستثمار والوظائف، بينما يواجه الكثير من الانتقادات من العديد من الاقتصاديين الذين يروا إن تخفيضات أسعار الفائدة المستمرة قرارات متهورة.

البديل المالي

ومع استمرار انخفاض قيمة الليرة التركية أمام الدولار الأمريكي، تحركت الحكومة ووعدت بدفع الفارق بين قيمة المدخرات بالليرة والودائع بالدولار المعادل، وقال الرئيس أنه عمل على ايجاد بديل مالي لتقليص مخاوف المواطنين في ظل ارتفاع أسعار الصرف عند تقدير المداخرات الخاصة بهم، وأضاف أنه في غضون عدة أشهر سنري انخفاضًا في معدلات التضخم في ظل سياسات خفض أسعار الفائدة، وقال أن مشكلة التضخم لن تحل بشكل جذري من خلال رفع سعر الفائدة، بل سيكون لها آثار سلبية كثيرة مع مرور الوقت.

وفقًا لبيانات البنك المركزي التركي، فإن الثقة في الليرة التركية تراجعت بشكل كبير، حيث أصبحتأكثر من نصف المدخرات في تركيا بالعملات الأجنبية والذهب.

خطة أوردغان قد تزيد من أزمة العملة على المدي

في 20 ديسمبر فاجأ الرئيس “رجب طيب أردوغان” الأسواق بخطته غير التقليدية لدعم وانقاذ الاقتصاد من التدهور في ظل أزمة العملة التركية، حيث أعلن عن التزام الحكومة بتأمين بعض الودائع بالليرة.

في البداية تبدو خطة أردوغان ناجحة، حيث ارتدت الليرة التركية عاليًا وسجلت ارتفاع قياسي لتمحو الكثير من الخسائر التي تكبدتها في فترة قصيرة، وعلى الرغم منذ ذلك، لم يكن السبب الرئيسي في المكاسب القوية لليرة خطة الانقاذ التي وعد بها الرئيس، بل كانت الأموال الهائلة التي أنفقها البنك المركزي التركي من احتياطياته لدعم العملة،وفقد البنك المركزي ما لا يقل عن 20 مليار دولار من الاحتياطيات الأجنبية منذ بداية شهر ديسمبر.

لقد منح حل أزمة الليرة التركية الرئيس أردوغان أرضية ايجابية، حيث أنه كان يعاني من الكثير من الأزمات السياسية الداخلية، ولكنها قد تزيد من المخاطر التي قد يواجهها الاقتصاد التركي.

إن الخطر الأكبر الذي يواجه الاقتصاد التركي هو اصرار أردوغان المستمر على سياسة خفض سعر الفائدة، فقد تحدي الأعراف الاقتصادية بأن الأسعار المنخفضة ستعمل على خفض التضخم بدلًا من رفعه، فمنذ شهر سبتمبر حتي شهر ديسمبر ومع ارتفاع مستويات التضخم وافترابها من 20% خفض البنك المركزي التركي سعر الفائدة أربع مرات متتالية لتصل إلى 14% من 19% بدعم من الرئيس أردوغان، ونتيجة ذلك انهارت الليرة التركية لتخسر حوالي 40% من قيمتها على مدار عام 2021 وتكون من أسوأ العملات أداء على مدار العام على الرغم من الارتفاع الأخير.

لقد كانت لسياسة الرئيس التركي الرافضة منذ فترة طويلة لرفع سعر الفائدة وسيطرته الملحوظة وتدخله في السياسة النقدية للبنك المركزي دورًا كبيرًا في الهبوط التاريخي لليرة التي شهدتتراجع من أقل من 4 لكل دولار في عام 2018 لتصل إلى 18 مقابل الدولار.

يعتقد أردوغان أن ضعف العملة في صالح الاقتصاد التركي، حيث يمنحها ميزة التنافسية في الصادارات وبالتالي ستعزز صادارتها وستزيد من جذب المستثمرين لها، وفقًا للاستطلاعات الحديثة، فإن نسبة صغييرة توافق رأي أردوغان، بينما يري الأغلبية أن ذلك كان له أثر سلبي على معدلات الاستهلاك والأسعار، ويعتقد الكثيرون أن معدلات التضخم  مرتفعة بأعلى من الأرقام المعلنة رسميًا.

من المحتمل أن هذا الإجراء من غير المتوقع أن يساعدفي هدوء مستويات التضخم المتسارعة أو سعر الصرف الليرة بشكل هيكلي، ويحذر الاقتصاديون من أن ذلك سيؤدي إلى نتائج عكسية، حيث سينتج عنه تضخم جامح وعدم استقرار مالي خطير في بلد يعتمد بشدة على التمويل الأجنبي.

قد تساهم خطة الانقاذ في منع أو تقليص الاقبال المتزايد على البنوك، حيث أن المواطنون تهافتوا في الأشهر الأخيرة لتحويل مدخراتهم إلى الدولار الأمريكي والعملات الأجنبية الأخرى، الأمر الذي أدي إلى انخفاض العملة التركية وتحويل أكثر من 60% من ودائع الدولة بالليرة إلى العملات الأجنبية، بينما كانوا آخرين يفكرون في ترك البنوك حيث أنهم فقدوا الثقة في النظام المصرفي التركي.

الأسباب الجذرية “لم تتم معالجتها”

يعتقد أغلب الخبراء الاقتصاديين أن العوامل الأساسية التي كانت سببًا لأزمة الليرة التركية لم تتم اصلاحها، كما أن الخطة التي كشف عنها الرئيس التركي لم تعالج أيضًا الأسباب الرئيسية التي تدعم الاتجاه الصعودي لليرة، فسعر الفائدة لا تزال منخفضة مع مستويات تضخم عالية تتخطي 20%، وسط توقعات متزايدة باستمرار ارتفاعه أكثرخلال الأشهر القادمة.

على ما يبدو أن الحكومة التركية لا تزال تصر على المضي في مسارها التحفيزي للسياسة النقدية، لتسير على نهج الرئيس أردوغان الذي يدعم خفض سعر الفائدة من أجل خلق نموذج اقتصادي جديد لتركيا، لكن السؤال الذي يتبادر في أذهان الكثيرين، هل المواطنون لديهم الثقة في القرارات الجديدة للسلطات بحيث يتم منحهم تعويضًا عن خسائرهم المتوقعةفي حال تحويل المدخرات من الدولار إلى الليرة.