دور الأسرة والمدرسة في المحافظة على الأمن لا يُمكن إنكاره أو التغافل عنه، فالتنشئة السوية هي الملقاة على عاتق تلكما المؤسستين، مما يجعل المجتمعات تصبو إلى الأمام استنادًا إلى أبنائها الأسوياء.. فهي منظومة كاملة إن ضعف أي ركن فيها يُخرب جيلًا بأسره، لاسيما في ظل تحديات شتى أمام ترسيخ الأخلاق والمبادئ القويمة التي من شأنها الحفاظ على الأمن والأمان في المجتمعات.

أولًا: دور الأسرة في المحافظة على الأمن

من أهم المؤسسات الحاضنة للإنسان في مراحل عمره المختلفة، فالأسرة هي اللبنة الأولى التي ينشأ فيها الفرد، فيتبع تعاليمها ويتشكل وفقًا لضوابطها وقواعدها.. لتأتي المدرسة وهي أول مؤسسة تعليمية تسعى إلى غرس القيم في النشء الصاعد، لتجعلهم يسيرون في المراحل المتقدمة وفق منهجية وقيم ومبادئ.

لذا كانت الأسرة هي المعنية بحفظ الأمن والأمان في المجتمع بالدرجة الأولى، لكونها البناء الراسخ الذي تُبنى على أساسه الأمم والمجتمعات، فإن كان للأسرة المبادئ والقيم التي تخول لها التماسك وتوافرت لديها مقومات التدين الداخلي قبل الخارجي، تكون بذلك قادرة على حفظ الأمن والأخلاق بما تخرجه من جيل يؤثر في مجتمعه على تلك الوتيرة.. وفيما يلي نوضح دور الأسرة في الحفاظ على الأمن استنادًا إلى بعض العناصر:

1- تأثير علاقة الأمر والطاعة

نجد أن الأسرة التي يعمل الوالدين فيها على اتباع أسلوب الأمر والطاعة لا تنتج إلا أبناءً غير أسوياء، ولم لا وهم لم يعتادوا إلا على التلقين، فأسلوب الثواب والعقاب جيد لا محالة إلا أنه حينما يكون أسلوبًا لحياتهم مقترنًا بالأوامر فقط فلا يعول عليه.

حيث إن تلك الأوامر تُرسخ في أذهان الطفل باعتباره أنه متلقن فحسب، فيفتقر حرية التعبير عن رأيه، ويفتقر كذلك القدرة على التمييز بين الصواب والخطأ، فلا يكتشف الفعل الخطأ بذاته، إنما وفق لما يراه الآخرين.. وهذا ما يجعله شخصية تابعة غير فاعلة أو مؤثرة بالمرة.

بل إن هذا من شأنه أن يؤثر سلبًا على أمن المجتمع في حال نشأة أولئك الأطفال على التطرف الفكري والسلوكي، معبرين عن معاناة الطفولة الصارمة في أجواء حادة دونما وسطية أو اعتدال.. أو إعمال للعقل.

2- الخلافات الأسرية ونفسية الطفل

غنى عن البيان أن الجرائم المتفاقمة والسلوكيات البعيدة تمام البعد عن الصواب ما هي إلا نتاجًا لأسرة مفككة في بادئ الأمر، أثرت سلبًا على نفسية الطفل وجعلته عرضة للانهيار والتشرد والضياع.

لذا يكمن الأساس في الاستقرار الأسري، الذي يتبعه بطبيعة الحال استقرار في نفسية الطفل وشخصيته، فلا يجد كيانه مهدومًا أمامه.. بل كيف يتسنى له أن يجد تنشئة سوية في ظل خلافات ناشبة بين والديه؟

3- القدوة الحسنة

أين يجد الطفل قدوته إن لم يجدها في المقام الأول في أبيه وأمه؟ فإن لم يرى الشخصية المؤمنة أمامه لن يخول له الاعتقاد بأن الإيمان هو الأصل والعبادات هي التي ليس من شأنه أن يفرط فيها.. ربما يتجلى ذلك في بعض السلوكيات البسيطة التي تقع على عاتق الوالدين.

فالتنشئة الصحيحة للطفل، وتربيته على طاعة الله لا طاعة العباد، والخوف من الله لا الخوف من الغير، والإعلاء من شأن الأخلاق القويمة والاستشعار بحجم المعاصي والذنوب.. وكذلك تعويده على التعبير والتفكير المنطقي والتحليلي وما إلى ذلك من أنماط التنشئة تجعل الطفل مؤثرًا بالإيجاب على أمن مجتمعه عندما يصبح واعدًا.

ثانيًا: دور المدرسة في المحافظة على الأمن

كذلك الحال بالنسبة إلى المدرسة، إنها المؤسسة التعليمية الأهم التي يجب أن تلقى اهتمامًا بالغًا من الجميع، فهي التي يعول عليها تشكيل عقلية الفرد ومدى وصولها إلى حد التطرف أو الوسطية والاعتدال.. الأمر الذي يُشكل أساسًا لأمن المجتمعات على المدى البعيد.. ويتجلى دور المدرسة في الحفاظ على الأمن المجتمعي فيما يلي:

  • التفاعل والتعاون مع الأسرة لحل المشاكل النفسية والتربوية للطفل إن وجدت.
  • تبادل الآراء مع أولياء الأمور لعلاج أي خلل ملحوظ في سلوكيات الطفل.
  • تعليم الأطفال معنى الانتماء إلى الوطن والدفاع من أجله، وما هي واجباته نحوه، وما فعله السابقون من أجل رفعته.
  • إزكاء روح التعاون والعمل الجماعي بين الأطفال، فيتعلموا في مجموعات مشتركة، ليتقبل أحدهم رأي قرينه حتى وإن كان مخالفًا له.
  • عمل محادثات بسيطة تتناسب مع عقول الأطفال عن التمييز بين السلوك الصائب وغير الصائب، وما يؤول إليه الأمر في نهاية المطاف.. من ثواب وعقاب في الدنيا والآخرة.
  • العمل على تنشئة الطفل على الإبداع والابتكار، بعيدًا عن التلقين المضلل في بعض الأحيان، ليصبح خلوقًا قادرًا على التمييز.
  • توضيح الحقوق والواجبات، حتى يتسنى له القيام بدوره مستقبلًا على أكمل وجه.

أسباب انعدام أمن الطفل وتأثيره على المجتمع

لا شك أن دور الأسرة والمدرسة في المحافظة على الأمن المجتمعي لا يُستهان بها، فكما نرى أن الطفل الذي لا تتم تنشئته كما يجب أن يكون، يشكل خطرًا على مجتمعه فيما بعد.. الأمر الذي يعزو إلى ما يلي:

  • تعرض الأطفال لمواقف عنيفة منذ الصغر، كالعنف اللفظي أو الجسدي.
  • عدم تأسيس الطفل على احترام الآخر مهما كان مختلفًا.
  • إهمال الطفل، فلا يتلقى تعليمًا جيدًا ولا يجد قدوة ترشده إلى الطريق الصائب.
  • التعامل مع الطفل بالسب والتقليل من قدره، يجعله فاقدًا الثقة في ذاته.

جملة القول في دور الأسرة والمدرسة في المحافظة على الأمن إنه دورًا تكامليًا تبادليًا.. يعود على الوطن بالنفع وانتشار قيم التسامح والتعاون والمحبة والأمن والأمان.

إن صح القول نرى أن الأسرة والمدرسة لا يقتصر دورهما عند هذا الحد، فالفرد تتكون شخصيته التي تؤثر في سلوكه طوال حياته بناءً على ما تعلمه في أسرته وبين أقرانه.. لذا لا يجب التغافل عن تأثير تلكما المؤسستين في المجتمع بالكامل.