هل تتكون قوانين الفكر الأساسية من قانون الهوية وقانون عدم التناقض فقط؟ إن الفكر هو الهوية التي تمثل الفرد أمام الغير، فتنجلي طباعه وفقًا للطريقة التي يفكر بها، بل ربما تميزه عن الأقوام الأخرى بأكملها، فالتفكير يغير قوم من قوم ويميزهم، هذا ما نعني به تحديدًا بالثقافة الفكرية، التي تعتبر من عوامل تمييز المجتمعات عن بعضها البعض.. تمامًا مثل العوامل الاجتماعية الأخرى.

هل تتكون قوانين الفكر الأساسية من قانون الهوية وقانون عدم التناقض فقط

إن التفكير هو العملية الذهنية التي تدور في العقل وتميز الإنسان عن سائر المخلوقات، لأنه يفكر حتى يتمكن من سد الثغرات في حياته، فينفرد بذلك مقارنة بالحيوانات والنباتات، فالعقل الذي رزقه الله إياه هو موطن التفكير.

من خلال التفكير، يتسنى للفرد اتخاذ القرارات المناسبة، الملائمة لما ينبغي أن يقوم به، وهنا لا نعني بالتفكير السليم أم غير السليم، فالتفكير بذاته هو العملية التي بناءً عليها يتسنى اتخاذ القرارات، أما عن التفكير السليم هو نوع من أنواع التفكير يستند إلى العقلانية والشخصية السوية التي تميز الصواب من الخطأ.

على أن هناك 3 مبادئ أساسية تتحكم في عملية التفكير برمتها، حيث يسير التفكير من خلال تلك القوانين أو المبادئ، وهي:

  • مبدأ الهوية أو الذاتية
  • مبدأ عدم التناقض
  • مبدأ الوسط المرفوع أو الوسط الممتنع

من هنا نجيب على سؤال هل تتكون قوانين الفكر الأساسية من قانون الهوية وقانون عدم التناقض فقط؟ بالنفي.. نظرًا لأنهما ثلاثة مبادئ لا اثنين فقط.

أما عن واضع تلك المبادئ الثلاثة فهو أرسطو، المعلم الأول في الفلسفة والمنطق، فعمل بذلك على جعل التفكير عبارة عن عملية ممنهجة تسير على وتيرة منظمة.. وفيما يلي نتناول تلك المبادئ على نحو أكثر تفصيلي:

1- مبدأ الهوية أو الذاتية

في المنطق، ينص على أن كل شيء مطابقًا لذاته، لا يُستخدم في المنطق الافتراضي إنما يعبر عنه بعلامة =، إذًا يُمكن الاستدلال على أن هذا المبدأ في التفكير يشير إلى أن الشيء هو نفسه.

مؤدى هذا القانون يعزو إلى أن السكون أصل الكون الذي نعيشه اليوم، ما هو إلا عكس الحركة التي تعبر عن دوران الإلكترونات حول البروتونات بسرعة تصل إلى سرعة الضوء.. فالشيء واحدًا مهما اختلفت صفاته العرضية.

2- مبدأ عدم التناقض

يقول أرسطو إنه بدون عدم التناقض لن نتمكن من معرفة أي شيء، أو تحديد أي من العلوم، أو التمييز فيما هية الأشياء، فسيكون من المحال إذًا التمييز بين الجوهر والحادث، الأمر الذي يجعل المنطق في حد ذاته غير منطقيًا.

فمبدأ عدم التناقض هو مبدأ الاستقصاء العلمي في التفكير، لكنه اثار شكوكًا وقضايا شائكة في الفلسفة الحديثة، على غرار:

  • ما الذي نلتزم به في معتقداتنا؟
  • ما وضع الحجج المتعالية؟
  • ما العلاقة بين الفكر واللغة والعالم؟

حيث يشير هذا المبدأ في صورته الأولى إلى أنه من المستحيل أن ينتمي الشيء نفسه إلى نفس الشيء، مثال (يُمكن أن يكون الشخص إناءً وليس إناءً).. وفي صورته الثانية يشكك في أن يصدق المرء عواقب معتقداته.

بيد أن الصورة الثالثة لهذا المبدأ تشير إلى أن التأكيدات المعاكسة لا يتسنى لها أن تكون صحيحة في الوقت ذاته، الأمر من زاوية نفسية يتعلق بما يفعله الناس بالفعل وما ينكرونه.

في الأخير يقول أرسطو أن من يعتقد بأن أربعة أشياء هي 5 أقل خطئًا بطبيعة الحال ممن يعتقد أنهم ألفًا، لذا هناك بالضرورة بعض من الحقيقة التي تكون أقرب إلى الصواب.

 مبدأ الوسط الممتنع

علمنا في إجابة سؤال تتكون قوانين الفكر الأساسية من قانون الهوية وقانون عدم التناقض فقط أنه يوجد قانون آخر وهو الثالث المرفوع أو الوسط الممتنع، هنا إن صدقت القضية أم لم تصدقها فلا مجال لقضية أخرى غيرهما، في معنى إن اعتقدت أن فلانًا حيّا، أو اعتقدت أنه ميتًا، فلا مجال لاعتقاد ثالث بينهما.

فإن أشار مبدأ الهوية إلى أن “فلان حي فهو حي”، وأشار مبدأ عدم التناقض إلى أنه واحد من الخيارات فحسب، يشير الثالث المرفوع إلى استحالة وجود أي احتمال ثالث.

الفكر الثقافي من أهم الموروثات التي نمتلكها، تتوارثها الأجيال تباعًا لتعبر عن كينونتنا أمام الآخرين.. من هنا يتوجب على الفرد تقديم أفضل ما يُمكن في الفكر والأخلاق.