تجربتي مع الصدمة النفسية كانت شديدة الألم، لقد كنت مثل الذي يُعاني ولا يُعرف له علة ولا علاج، إلا أني كنت صابرة، أقول طوال الوقت هذا قدري الذي لا مهرب منه، لكن وصل بي الأمر ذات يوم إلى درجة لا يمكن تحملها، فسقطت غير قادرة على إكمال المسير بهذا الشكل، كنت كمن عضها الوحش الذي أذاها، ولم أحب كوني وحشًا أبدًا.

تجربتي مع الصدمة النفسية

أنا كوثر، كنت أعيش مع أبي وأمي وليس لي أي أخوة، كان هما الملاذ الوحيد لي في هذه الدنيا، فقد كنت أعيش فيها لأجل وجودهما، كنت قليلة الأصدقاء ولا أخرج كثيرًا، كان عمري حينها 10 سنوات.

في يوم كنا نجلس على العشاء حتى دق جرس الباب، وإذا به صديق لأبي، جلس معنا ليأكل، لم أحب هذا الرجل يومًا، كان يطالعنا بنظرات غريبة، وإذا به يتحدث مع أبي حتى احتد النقاش بينهما، إلى أن بدأ الرجل في ضرب أبي، فلم يسكت هو الآخر، ضربا بعضهما بقوة.

حتى حمل الرجل الغريب السكين من على طاولة الطعام، وضرب بها أبي في عنقه، فانفجرت الدماء حتى لطخت ثوبي، بقي هذا المشهد في رأسي إلى يومنا هذا، مرت عشرة سنوات والمشهد لا يغيب عني كل ليلة.. مات أبي، ومات معه الأمان ولم يزرني كلاهُما ولو لمرة.

من وقتها وأنا أخاف الغرباء أكثر، ولا تهمني مشاعر أي إنسان، حتى أني صرت قادرة على إيذاء أي مخلوق، فمهما كان الذي سأفعله لن يكون مثل أن أذبح لأحد أباه أمام عينه، السخط صار على العالم أجمع وليس الرجل الذي قتل أبي وحسب، فالجيران الذين ناديت عليهم كي ينقذونا لم يحركوا ساكنًا، القاضي كذلك لم يحكم عليه بالإعدام.

بل بالسجن المؤبد، كان يرى أن هذا ليس قتلًا مع سبق الإصرار والترصد، لم يهمني هل فكر أم لا، ليست نيته بقادرة على أن تُعيد حبيبي إلى الحياة من جديد، لكن هذه المشاعر التي تختلج صدري كل يوم جعلت مني ما لا أُحب أن أكون عليه.

تشاجرت مع صديقتي على أمر تافه جدًا، فضربتها ضربًا عنيفًا دخلت على إثره المشفى، أنا أحبها كثيرًا ولا أقصد إيذائها، وغضبت من نفسي كثيرًا، لهذا قررت أني بحاجة للمساعدة، فأنا لا أريد أن أفقد حبيبًا آخر، ولدى الطبيب النفسي كانت رحلتي طويلة في التخلص من هذه المشاعر التي حملتها معي سنوات، بدأها معي بالخطوات التالية:

  • صارت لديّ ثقافة أني مصابة بما يُسمى اضطراب ما بعد الصدمة PTSD، وهذا ساعدني على تقبُل مشاعري وفهمها.
  • تعلمت تمارين التنفس والاسترخاء التي تقلل من التوتر، كما ساعدت على التخلص من الكوابيس والأرق.
  • بدأت في ممارسة أنواع جديدة من الرياضة مثل اليوجا.
  • جرب الطبيب معي العلاج بالتعرُض، وهو أن أعيد قص الأحداث عليه بنفس الترتيب والمشاعر التي كانت بها.
  • تطرقت إلى السيكو دراما، وهي نوع من العلاج يتم فيه تمثيل المشهد الذي آذاني كما حدث تمامًا، إلا أنه يجب أن يتم على يد مُختص.
  • تم استخدام أيضًا العلاج المعرفي السلوكي، والجدلي، وكان من بين أهم الفنيات التي ساعدتني هي أن أحكي الحدث بالمقلوب، فهذا ساعد على إزالة الألم والمشاعر من الحدث تدريجيًا.
  • حصلت على بعض الأدوية مثل: “mirtazapine أو venlafaxine”.

أعراض مرض اضطراب ما بعد الصدمة

حكت سيدة سورية: “كنت أعيش في بيت جميل مع زوجي وطفلاي، وبسبب الأوضاع السياسية الأخيرة، كانت الحكومة تُلاحق الكثير من المخالفين، وكان لزوجي صديق من هؤلاء، أتت الحكومة في الليل إلى بيتنا، وحين سألت عن هذا الرجل وقال زوجي أنه لا يعرف ذبحوه أمام عيني وعين الأطفال.

تركوه لنا مدرجًا في دمائه بلا رحمة، حبيبي كان جسده لا يزال دافئًا لأنه استيقظ للتو، صرخت موته حتى كادت حنجرتي تنخلع من مكانها، صرت بعدها أخاف على الأولاد من أقل خطر، لذا قررت أن آخذهم وأسافر من هذه البلد التي لم يعد بها إلا رائحة الدماء.

لم أكن أملك الكثير من المال فسافرت على سفينة، ولم يكن لديَّ الكثير من الزاد، ولا حتى ما أدفئ به أطفالي من ذاك الصقيع الذي أحاط بنا، لكن صغيري حسام لم يتحمل كل هذا، وتوفى جائعًا وهو يشعر بالبرد، ونحن في وسط البحر هبت عاصفة، فقالوا إنهم سيرمون في البحر كل ما ليس له أهمية، فرموا كل شيء ورغبوا في رمي جسد حسام.

رفضت رفضًا قاطًعًا، كنت أريد أن أدفن فلذة كبدي في مكان أزوره فيه، إلا أن الوحوش لم يكفيهم حالي، بل أتوا وأنا نائمة وأخذوا الطفل، ولكن بعد أن ألقوا به اكتشفوا أنهم قد رموا بسام الذي كان نائمًا، تجربتي كانت مريرة، للآن لا أعرف إذا كان هذا حصل بالفعل أم أني أرى أسوأ الكوابيس بالدنيا”.

إذا كنت تعتقد أنك رأيت صدمات في حياتك فدعني أخبرك أن الذين أصيبوا باضطراب ما بعد الصدمة لديهم بالتأكيد قصص أبشع مما يتخيله عقلك، فقد عانت السيدة من جراء هذا الكثير من الألم.

  • أعراض اقتحامية: تتذكر الأشياء التي حصلت فجأة، وتبدأ في استرجاع المشاعر ذاتها وكأنها بالموقف، إضافةً إلى الكوابيس الكثيرة والقلق وعدم القدرة على النوم.
  • تفزع كلما رأت أي شيء كان موجودًا في هذه الأحداث.
  • أعراض جانبية: لا ترغب في العودة والاقتصاص حتى من كل الذين سلبوا منها أحبتها، تهاب حتى أسمائهم.
  • صعوبة في التحكم في ردود الفعل، فلا تقدر أحيانًا على الابتعاد إذا ما قربت شيئًا من عينها.
  • تُطعِم كل الأطفال وتصنع الوشائح لهم وهي لا تملك حتى قوت يومها.
  • بكاء وحزن وأعراض اكتئابية لا يمكن السيطرة عليها.

السلوكيات بعد اضطراب ما بعد الصدمة

حكت هذه الفتاة مع فريق العلاج الجماعي: “تجربتي كان بها الكثير من الوحشية، فقد مررت بها وحدي بلا مساعدة، بدأ الأمر حينما تعرضت للاغتصاب على مرأى ومسمع مجموعة من الشباب، هؤلاء المرضى والسفهاء، كانوا يضحكون كما لو أنهم يشاهدون فيلمًا كوميديًا.

تعرضت للكثير من الألم وقتها، إلا أنه استمر حتى بعد سنوات، ولأنني لم أفرغ غضبي عليهم أفرغته على نفسي، وأرهقتني كثيرًا تلك السلوكيات.

  • الاعتقاد بأن المُخطئ هو أنا، بل إنني لُمت نفسي أني أنثى من الأساس.
  • الاستحمام بشكل مفرط للحد الذي جعل المقربين يقولون إني مُصابة بالوسواس القهري.
  • بقاء المشهد في الذهن، مع الكثير من الكوابيس، وضرب الرأس اعتقادًا أن هذا سيوقف الأفكار.
  • كره بني آدم جميعًا، لدرجة تعمد إصابتهم بالأذى إذا أمكن.
  • إيذاء الذات بتقطيع الشرايين ومحاولات الانتحار.
  • فقدان الرغبة في الحياة.

التعامل مع مريض اضطراب ما بعد الصدمة

قال سامي الذي تعافى من اضطراب ما بعد الصدمة: “تجربتي العصبية كانت قاسية جدًا، وتم معاملتي بطريقة سيئة للحد الذي جعلني بغاية الحزن لكون لا أحد يُقدر الحالة التي كنت فيها، كان يُقال لي لماذا أنت حزين؟ ألم يفقد صديقه أحدٌ سواك؟

إنه في مكانٍ ما في قلبي تحطمت كل أحلامي وخططي للمستقبل التي رسمت أننا سنمُر بها سويًا، وعدم تقدير هذا أضاف الكثير من السوء إلى حالي، ومن رغبتي ألا يمر أحد بمثل ما مررت به يجب عليكم اتباع هذه النصائح كي لا تسببوا المزيد من الأذى.

  • استمع دائمًا، حتى لو كانت القصة ذاتها تُحكى كل يوم.
  • إذا لم يكن الشخص راغب في الحديث فلا تُثقل عليه.
  • لا تعطي النصائح ولا تفترض أمور لم يقلها.
  • تذكر جيدًا أنه بأحيان كثيرة قد يصبح الحديث ضغطًا عليه، لذا أوقفه في الوقت الصحيح.
  • في حال ظهرت أي محاولات للانتحار يجب أن يعلم الطبيب المعالج في الحال وأن يتم إحاطته بقدرٍ من الأمان.
  • لا يوجد إطار مُحدد للوقت الذي يُشفى فيه المريض، لذا يجب التعايش مع وجوده.

لا يُصاب الجميع باضطراب ما بعد الصدمة

ذكر أحد الأطباء النفسيين في حوار بأحد البرامج: “يقول بعض الأشخاص تجربتي كانت صعبة جدًا، يظن الكثيرين أن الصدمة النفسية أو اضطراب ما بعد الصدمة يُمكن أن يُصيب كل من يمر بظرف صعب أو موقف صادم، إن البشر لديهم قدرة على التكيف مع الكثير من الأهوال، إلا أن هُناك مواقف بالفعل لا يُمكن للعقل تحمل المرور بها.

لكن رغم هذا فالأمر يختلف من شخص لآخر، فالاستعداد النفسي الذي لدينا هو ما يدفعنا إلى السقوط من الحافة في الاضطراب، أو المعافرة والصبر حتى تمر الأزمة تاركة الكثير من الندبات.

تجربتي كانت مريرة للحد الذي لا أريدُه أن يتكرر مع أي أحدٍ آخر، فهي من الأهوال التي لا يمكن للعقل استيعابها.