تجربتي مع الوسواس القهري كانت بالغة الألم، لم أكن قادرة على العيش كغالبية الناس من حولي، ولم أذق طعمًا للراحة، ولم تعرف رأسي معنى أن تتوقف الأفكار عن السير بها مجيئًا وذهابًا بلا هوادة، شعرت بأحيان أخرى أنني على حافة الموت، لكني عُدت ولم أمت، إن الوسواس القهري أرق الكثيرين مثلي، فقصص من تحطموا بسببه لا تنتهي.

تجربتي مع الوسواس القهري

أنا سحر، وأبلغ من العمر 25 عامًا، سابقًا كنت أعاني من الوسواس القهري، صحيح أن المرض لم يُمحى تمامًا إلا أني على الأقل أفضل حالًا، لكن تجربتي مع الوسواس القهري قبل ذلك لم تكن جيدة مُطلقًا، فقد عانيت بشدة لفترة طويلة من أفكاري، حيث كان هذا هو نوع الوسواس الذي أعاني منه.

فقد كانت لديّ أفكار عن عدم وجود الخالق لم أكن مقتنعة بها، إلا أن رأسي لم يكف عن طرح التساؤلات، كنت أظن أن السبب ضعف إيمان، وأني بحاجة للتقرب من الله أكثر، فكانت تزيد الأفكار، خفت كثيرًا.. وارتعدت أوصالي، تخيلت نفسي وأنا يُلقى بي في جهنم، وحزنت لوصولي لهذا الإلحاد.

أو بالأحرى ما كنت أظنه إلحادًا، فكرت كثيرًا في قتل نفسي كي أوقف هذا السيل، لكن عدلت عن الفكرة فأنا لا أريد أن أموت على هذه الحالة، لذا قررت أن أذهب لشيخ علّه يدلني على إجابات توصد باب الشك في قلبي وتعديني إلى رشدي، لكن رغم اقتناعي بما يتحدث به لم أكن قادرة على التحكم بأفكاري.

أصابني الحزن الشديد جراء هذا، لم أتقبل نفسي، وكرهتني كثيرًا، ولم أرغب في لقاء أي أحد، ولا حتى رغبت بالعيش فلم أراني وقتها أستحق هذا، ولا حتى أستحق النعم التي حصلت عليها، وهنا بدأت أمي بالقلق، سألتني كثيرًا عن الأسباب ولم أقدر على إجابتها، لكنها خمنت من الظاهر أن هذا بالفعل اكتئاب، وعلى إثر ذلك أخذتني للطبيب النفسي.

هناك لم يقل لي أني مريضة اكتئاب مما سمعه بالبداية، بل استمر في السماع مني حتى يغوص في أعماق الأسباب التي أدت بي لهذا، كان جديرًا بالثقة فقصصت عليه كل الأفكار التي راودتني، ولأول مرة منذ زمن أشعر بالأمان، فلم يحكم عليّ الطبيب، وأخبرني عن حقيقية علتي التي كنت أجهلها، ثم أخبرني عن العلاج السلوكي الذي سيتبعه معي.

بدأنا بالفعل ولم يكن الأمر سهلًا فقد تطلب مني العمل كثيرًا كأني أتعلم التفكير من جديد، لكن النتيجة كانت تستحق بعد كل هذا، فقد هدأت أفكاري وكأنما أسقط أحدًا عليها الماء، وللآن لازالت أتابع مع الطبيب كي أحافظ على النتيجة التي وصلت إليها.

سبب الوسواس القهري

ذكرت سيدة على أحد مواقع التواصل: لقد كنت أعتقد أن الحياة هي التي أوصلتني إلى هذه الحالة، إلا أنه في تجربتي مع الوسواس القهري اكتشفت برحلتي العلاجية أن السبب الذي جعلني أصاب بهذا السيل من الأفكار الوسواسية لم يكن أهلي، بل إنه أنا، حيث فهمت من طبيبي المُعالج أنه في حال كان هُناك أخوان يتعرضان للظروف ذاتها فليس من الطبيعي أن تجد كلاهما ينتهي بهما الأمر في بالشخصية ذاتها.

هذا لأن الإنسان يتأثر بالأحداث المتلاحقة وفقًا لاستعداده هو الشخصي، وليس وفقًا للأحداث الخارجية، مع العلم أنها تعمل كشرارة التي تشعل المرض، إلا أنها ليست الحطب على أي حال، ومن هُنا خرجت فكرة أن العلاج النفسي يكون من خلال تغيير طريقة استقبال الإنسان لهذه الأحداث كي يتمكن من التعافي منها.

هذا بالفعل ما حدث معي، فقد كنت أحاول طوال الوقت أن أغير الطريقة التي أستقبل بها حديث الآخرين لي، بالتوازي مع معالجة المعتقدات التي رسخت في ذهني على مر السنوات الماضية.

أنواع الوسواس القهري

ذكرت سوسن تجربتها قائلة: لقد مررت بمرض أفقدني صوابي، ولم أتخيل يومًا أن يكون هذا هو الوسواس القهري، فقد كنت أعتقد أنه الرغبة العارمة في التنظيف وحسب، لكن تبين لي من تجربتي مع الوسواس القهري أن له العديد من الأنواع وهي:

1- وسواس الفكرة

هو الذي يكون به الشخص غير راغب في فكرة ما إلا أنها تستمر في السيطرة على ذهنه طوال الوقت، ولا تتطور هذه الفكرة إلى تصرفات أغلب الوقت، ومن بين أمثلتها:

  • الكلمات البذيئة التي تأتي على ذهن المريض وقت الصلاة بلا رادع.
  • الإحساس بالذنب تجاه أي شيء مضى، حتى لو لم يكن الشخص مذنبًا في الواقع.
  • الخوف المفرط من شخص تسبب في الأذى لك، لدرجة أن المريض يظل يفكر أنه سيقتله مثلًا.
  • الاحتفاظ بالكثير من الأشياء حتى لو لم تكن ذات أهمية فقط لأنه يشعر بالأمان ببقائها، أو لأنه يشعر أنه سيحتاج لها في المستقبل.

2- وسواس العمل

هو نوع الوسواس الذي يكون على هيئة أفعال لا يتمكن المريض من السيطرة عليها، حيث تقول له الفكرة افعل كذا فيفعل كأنه أسيرها، وهذا ما اكتشفت أنني مُصابه به من تجربتي مع الوسواس القهري، ومن أمثلة أفكار هذا النوع:

  • الرغبة في التنظيف طوال الوقت، حتى لو لم يكن الأمر يستدعي هذا، ويستمر الأمر لمرات كثيرة تصل إلى عدد كبير جدًا بلا توقف، فالمشكلة لا تكمن في كون المكان يحتاج إلى تنظيف، بل في أن الفكرة في عقلة تقول إنه لازال هُناك الكثير من الجراثيم.
  • الترتيب الفرط للحد الذي يكون المريض فيه غير راغب في أن يكون معه أي غرض ليس مضبوطًا ولو لسنتي متر واحد.
  • أن يبقى المريض يتوضأ عشرات المرات ظنًا منه أنه لم يتوضأ جيدًا للحد الذي يجعله غير قادر على الخروج من الحمام.
  • إيذاء الآخرين كأن يضرب المريض شخصًا لم يؤذه أبدًا، والمرحلة الأشد خطورة هي أن يصل الأمر إلى الطعن أو القتل.
  • تفقد الرسائل بشكل دائم لعشرات المرات لأنه يخاف أن يراسله أحد ما ولا يرد.

علاج الوسواس القهري

حكى حسام في تجربته مع الوسواس القهري قائلًا: لقد كنت أشعر دائمًا أني غير نظيف لدرجة أني كنت أستحم كثيرًا لدرجة أني مرضت، وفي النهاية وصل الوضع إلى مرحلة لا يمكن السكوت عنها، لذا لجأت إلى العلاج لدى طبيب نفسي، وكان العلاج منقسمًا إلى شقين الأول كان عبارة عن دواء، والثاني كان أدوات تعلمني العيش بعد أن أوقف هذا الدواء، والتي كان من بينها:

  • كان الطبيب يطلب مني في كل مرة أغسل فيها يدي أو أستحم أن أفعل حركة مميزة، كأن أصفق بيدي، سيساعد هذا عقلي على التركيز أن الفعل قد تم ولا داعي لتكراره.
  • أحيانًا كنت أعد في كل مرة أنهي ركنًا من أركان الوضوء، وساعد هذا على توقف التصرف القهري قليلًا.
  • بوقت كنت أعد الأرقام من 100 حتى 1 حتى أجعل عقلي منشغل بأمرٍ آخر ولا يفكر في الفكرة الوسواسية.
  • العمل على زيادة تقبلي لذاتي، وأنه لا مشكلة إذا لم أفعل كل شيء بالشكل المثالي.
  • اصطياد الفكرة الوسواسية والتأكد من أنها منطقية في البداية أم لا قبل الانجراف ورائها.
  • تنمية العلاقات الاجتماعية.
  • التدريب على مراقبة الذات.
  • تعلم تمارين الاسترخاء، مثل الاسترخاء التنفسي الذي يقلل من الذعر الذي يصيب المريض أثناء التفكير بالفكرة الوسواسية.
  • التخيل بأن الفكرة الوسواسية حدثت بالفعل، فماذا إذا بعد هذا؟ ما هو أسوأ ما يحصل؟ ثم يكتشف المريض أنه ليس كارثيًا.
  • التدريبات التي تساعد على النوم سريعًا مثل تمرين تحمل الألم، وهو يقف فيه المريض على قدم واحدة للكثير من الوقت.
  • تقديم التحالف العلاجي الذي يساعد المريض على الشعور أن هُناك من يقف في صفه ويصدق ما يشعر به.
  • ملأ وقت الفراغ بالكثير من الأنشطة، كالعمل التطوعي والرسم والكتابة وممارسة الرياضة.
  • النوم لعدد ساعات كافية.

الوسواس القهري مرضٌ يرهق صاحبه كثيرًا ليس فقط فكريًا بل بغالب الأمر بدنيًا أيضًا، لذا عليه طلب العلاج سريعًا ليتخلص من كل هذا.