تجربتي مع اكتئاب ما بعد الولادة ألمنّي بالكثير من المعلومات، حيث إن اكتئاب ما بعد الولادة يعتبر من التجارب غير العادية التي تؤثر على نفسية المرأة بشكل كبير، كما من الصعب أن تجد ما يُمكنه تفهم ما تشعر به، لذا فيزداد الضغط عليها بشكل كبير، وهذا ما توصلت إليه من تجارب متعددة مع اكتئاب الحمل التي مرت بها صديقاتي ومعارفي، وأنا أيضًا.

تجربتي مع اكتئاب ما بعد الولادة

إن تجربتي مع اكتئاب ما بعد الولادة كانت مؤلمة جدًا، الأمر الذي جعلني أرغب في مساعدة كل السيدات اللاتي يعانين من هذا الاضطراب، وخصوصًا المقربين منها، وذلك بسبب جهل الكثيرين بهذه المشكلة، حيث تشعر المرأة في هذه الفترة بالضياع وأن الحياة تتغير كثيرًا من حولها، ولهذا انتابني أعراض الاكتئاب التالية:

  • التقلبات في المزاج والشعور بالقلق والتوتر.
  • الانفعال الدائم، والرغبة في البكاء بشكل زائد عن الحد.
  • الشعور باضطرابات شديدة في الشهية، حيث تأتي بشكل متفاوت ما بين الزيادة والتراجع التام.
  • عدم النوم بشكل جيد، الأرق.
  • انعدام القدرة على التركيز.
  • عدم الشعور بالارتباط العاطفي بالطفل في هذه المرحلة، والإحساس أن الأمومة شيء مخيف جدًا.
  • الرغبة في الانعزال، والبقاء بمفردي، والابتعاد عن الأصدقاء حتى.
  • الشعور بانعدام الطاقة إلى حد كبير، والإحساس بعدم القدرة على بذل المجهود حتى البسيط.

لم يكن أحد يعلم أنني أعاني من مشكلة نفسية حقيقية، بل كان البعض يتهمني بالدلع، والآخر يتهموني بالنكد، ولم يفهمني أي شخص، وبدأت أشعر بالضياع، فكان هذا الشعور يؤرقني جدًا.

إلا أنني بدأت أستعيد قوتي مع الوقت، ومن حُسن الحظ أنني استجابت لحديث صديقاتي، وأن هذا الأمر لم يطول كثيرًا، ولم أحتاج إلى طبيب نفسي، وأصبحت صحتي النفسية جيدة للغاية الآن.

رحلة التعافي من اكتئاب ما بعد الولادة

تروي سيدة إنها بعد ولادتها لطفلها، بدأت تشعر بأشياء حرمتها من النوم، وأخذت الأفكار السلبية تتلاعب بعقلها، وتساءلت ما الذي أشعُر به؟! فإن الجميع أكدوا لها أنها بخير ولا يوجد بها شيئًا، وأن ما تشعر به ما هو إلا من آثار الولادة والحمل والضغط التي كانت تُعانيه، وعلى الرغم من أن هذه ليست الولادة الأولى لها، إلا أنها لم تشعُر بهذا الأمر من قبل.

تقول إنها كانت ترغب في الجلوس على السرير دون فعل أي شيء، فلم يكُن لديها القدرة على فعل أي شيء، حتى أبسط الأشياء الروتينية، مثل تجهيز الوجبات، تنظيف المنزل، وما شابه ذلك، فقد كانت تشعُر بحالة من الحزن الشديد على الرغم من أنه لا يوجد أي شيء فإن المشاعر بداخلي مضطربة، ولا ماذا أريد؟

بعد مرور شهر من ولادتي بدأت أشعر بالقلق الدائم والكآبة والحزن، طول الوقت أبكي دون سبب، وتراودني الكثير من الأفكار السلبية، والمشاعر الحزينة، التي يجب ألا تكون لديَّ، فإن هذه لا تُعتبر مشاعر أم فرحة بوليدها.

مع مرور الوقت أصبحت لا أطيق أبنائي جميعًا، وليس الطفل المولود فقط، ولا أقوى على اللعب معهم أو ملاطفتهم، وأخذت تدور في بالي أفكار سيئة جدًا، حيال إيذاء نفسي وأبنائي، ولكن سرعان ما استعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وابتعد عن هذا التفكير السيء.

إلى أن حكيت لصديقتي المقربة عما أشعر به، وأنني على هذا الحال منذ شهرين، وأخبرتها صديقتها أنها بحاجة إلى زيارة طبيب نفسي ضروري جدًا، ومرت بأربعة أطباء حتى وصلت إلى الاستقرار نوعًا ما، وبدأت رحلتها في التعافي.

حيث أخبرها الطبيب الأخير أن الاكتئاب عامل زي السلم، الإنسان يصعد إليه درجة درجة إلى أن يصل لأعلى درجة، فظلت شهور في هذه المعاناة إلى أن أصبح صغيرها يبلغ عام ونصف، وبدأت هي تتعافى تمامًا وتعود لطبيعتها بشكل تام، وذلك من خلال اِتباع بعض النصائح الأساسية أيضًا، والتي تمثلت فيما يلي:

  • طلب المساعدة من الأشخاص المحيطين بكِ.
  • التحدث مع أقرب شخص من قلبك، وقول المخاوف التي تعانين منها.
  • تناول المكملات التي تحتوي على الحديد وفيتامين B12

قالت أيضًا إنها لم تكن تعلم عن هذا الأمر من قبل، ويا ليت الأطباء يلفتوا انتباه السيدات والأهل إلى هذه المشكلة التي قد تشكل خطر على حياة الأم والأبناء.

أسباب اكتئاب النفاس

قالت إحدى النساء خلال جلسة الإرشاد الجماعي التي كنت أحضرها مع الطبيب المعالج لي، بدأت تجربتي مع اكتئاب ما بعد الولادة بعد ولادتي بحوالي يومين تقريبًا، وانتابني الشعور بالخوف والإحباط الشديد، وقد كنت قلقة للغاية من عدم قدرتي على العناية بطفلي بطريقة جيدة، وأخذت الأفكار السلبية تراودني بشكل كبير.

لكن من حسن حظي أن أختي طبيبة نفسية، ومتخصصة في هذه الحالات، فسرعان ما تدخلت وتحدثت معي، وأخبرتني أن هذا النوع من الاكتئاب من الممكن علاجُه بسهولة كبيرة، وهي تعلم أنني سعيدة بقدم ابني، ولكني من دون قصد أشعُر بالحُزن الشديد، وقالت لي أن هذا الاكتئاب يرجع إلى سببين فقط، وهما:

  • التغييرات البيولوجية: إن مرحلة الولادة تأتي بالتزامن مع وجود انخفاض شديد في مستوى هرموني الأستروجين والتستوستيرون، وقد علمت أن هذا الأمر يؤدي بدوره إلى انخفاض نسبة الهرمونات التي تفرزها الغدة الدرقية، لهذا السبب تُصاب النساء باكتئاب وحزن شديد.
  • التغييرات النفسية: من الطبيعي أن تشعر المرأة بعدم الراحة بعد الولادة، وذلك بسبب التغييرات النفسية الكبيرة التي طرأت عليها طوال فترة الحمل؛ بسبب عدم أخذ كفايتها من ساعات النوم، وعانت من الإرهاق والتعب الشديد، والقلق الزائد حول الطفل، وخوفها من أن تخرج الأمور من بين يدها.

بعد أن فهمت جيدًا ما الذي يحدث معي تغيرت نظرتي لِما أشعر به، وبدأت استجيب للعلاج، ولكلام أختي الحبيبة التي كان لها فضل كبير بعد فضل الله تعالى، حيث قامت بدعمي طوال الوقت، وطمئنت قلبي، وأخذت تتحدث معي عن كل ما يدور في عقلي من مخاوف وقلق وأن كل هذا ما هو إلا أوهام في عقلي فحسب.

بعد حوالي شهرين من تعرضي لهذا الاكتئاب نصحتني أختي بالذهاب إلى جلسات الإرشاد النفسي الجماعين وبدأت فعلًا في الشعور أنني عُدت لحالتي الطبيعية، وبدأت أشعُر بتحسُن شديد، وبعد ذلك تعافيت تمامًا.

أعراض اكتئاب ما بعد الولادة الشديدة

قد يكون اكتئاب ما بعد الولادة من الأشياء غير الدارجة التي لا يعرفها الكثيرين، إلا أنه من الأمراض النفسية التي قد ينتج عنها مضاعفات خطيرة، وقد تعرفت على هذا من خلال تجربة صديقتي مع هذا النوع من الاضطراب النفسي بشكل قوي يؤثر كثيرًا على حياتها، حيث إنها كانت تعاني من أعراض الاكتئاب التي جاءت كما يلي:

  • عدم وجودة دوافع للمرأة في الحياة، وعدم الشعور بالقيمة الذاتية.
  • الإحساس الشديد بالذنب، وهذا بسبب إحساس المرأة أنها أم سيئة.
  • عدم الاهتمام بالمولود الجديد على الإطلاق، وعدم الرغبة في رؤيته حتى.
  • الحزن الشديد.
  • عدم وجود الرغبة الجنسية.
  • الإحساس بآلام مختلفة في الجسم، وألم بالرأس.
  • عدم الاهتمام بالأشياء التي تحبها المرأة.

عندما أخبرتها أن إحساسها هذا والأعراض التي تشعر بها ما هي إلا بسبب الولادة، والاكتئاب الذي جاء بعدها، وأخبرتها أنها من الضروري أن تذهب إلى الطبيب، ولكنها رفضت، وقالت لي إنها مجرد أعراض عادية، وستزول.

لكني حاولت إقناعها بكل الطرق، وقد أخبرتها بالمضاعفات التي تنتج عن هذا الاضطراب، والتي تمثلت فيما يلي:

  • احتمالية إصابة الأب أيضًا بالاكتئاب.
  • خطر إصابة الأم المصابة بالاكتئاب المزمن.
  • التفكير في الانتحار أو إيذاء النفس والطفل.

كما أخبرتها أن هناك حالات يجب أن يذهبوا للطبيب للكشف، وذلك في حال كانت الأعراض تزداد نحو الأسوأ، بالإضافة إلى فقدان الطاقة بشكل تام، والبدء في التفكير بإيذاء الطفل أو نفسها، أو الرغبة القوية في الانتحار، وفي حال لم تزول هذه الأعراض خلال ثلاثة أسابيع يجب أن تذهب المرأة للطبيب.

أخيرًا اقتنعت بالذهاب للطبيب، وقد أخبرها الطبيب أن حالتها متراجعة جدًا، ويجب الخضوع إلى علاج إرشادي مكثف، وقد وصَفَ لها بعض الأدوية المضادة للاكتئاب والقلق، ومن بينها دواء: “بريكسانولون”، وظلت تتناول الدواء وتتابع العلاج إلى أن منّ الله عليها بالشفاء التام، ولكن الأمر أخذ بعض الوقت.

تجربتي مع اكتئاب ما بعد الولادة من التجارب القاسية التي يُمكن أن تمر على أية امرأة، ولا يجب أبدًا التهاون في هذه الأعراض، وذلك منعًا للتعرض لأي مضاعفات خطيرة.