ما المراد بالذين تبوؤوا الدار؟ وما تفسير الآية الكريمة كاملة؟ فإن التدبر يجعل المرء يسعى طوال الوقت إلى تفسير القرآن الكريم والآيات التي يستعصي عليه فهمها، وإن كان الأمر يبدو صعبًا ففي الأسطر التالية نقدم لك تفسير هذه الآية الكريمة.

المراد بالذين تبوؤوا الدار

قال تعالى (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الحشر الآية 9].

إن المراد بالذين تبوؤوا الدار هم الأنصار الذين آمنوا بالله ورسوله ومن ثم بدأوا في حماية النبي والمهاجرين الذين أتوا معه إلى المدينة من كل الشرور التي يمنعونها عن أنفسهم، وقد أنزل الله فيهم هذه الآيات تكريمًا لهم.

أما الوصف يحبون من هاجر إليهم فيشير إلى مدى الخلق الذي كان لديهم، فقد أحبوا أحباب رسول الله بعد أن آمنوا به، كما أن هؤلاء الأنصار من قبيلتي الأوس والخزرج كانوا سليمين النفس، فلا يحسدون ولا يحقدون ولهذا السبب قال الله عنهم في الآية الكريمة أنهم لا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا أي أنهم لا ينظرون إلى الفضل الذي أتاه الله للمهاجرين.

بالإضافة إلى كل هذا فإن هؤلاء الأنصار قد آثروا إخوانهم من المهاجرين على أنفسهم، فحين جاءوا إليهم كانوا معدمين، ومع هذا تقاسم الأنصار معهم بيوتهم وأموالهم بمنتهى الإيثار والتضحية، حتى من كان منهم فقيرًا لم يبخل على أخيه المسلم المهاجر من ماله.

كما نهى الله هذا الحديث عن أولئك الصالحين أنهم قد حفظوا أنفسهم من الشح أي البخل، لذلك فهم مفلحون في الآخرة، كما تحثّ الآية على الامتثال بهذه الصفة التي يفلح من يتصف بها.

سبب نزول الآية والذين تبوؤوا

في إطار التعرف على المراد بالذين تبوؤوا الدار يجدر بنا بعد أن تعرفنا على معناها أن نتناول السبب الذي نزلت هذه الآية في الأنصار ففي الحقيقة إن هذا الأمر تعددت فيه الروايات، أي أن هناك العديد من القصص التي تناقلها الصحابة حتى يومنا هذا.

من أبرز القصص التي وردت في هذا الأمر هو أن رجلًا من المهاجرين جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكان جائعًا فسأل النبي إحدى زوجاته إن كان عندها ما تطعم به هذا الرجل، فردت أن ليس عندها سوى الماء.

فسأل النبي واحدة أخرى من نسائه فجاء نفس الرد، فسأل أخرى فأجابت بأن ليس عندها من الطعام، حينها سأل النبي الصحابة من يستضيف هذا الرجل الليلة؟ فقال رجل من أهل المدينة من الأنصار: أنا يا رسول الله، بعدها أرسل هذا الرجل إلى زوجته يسألها إن كان عندها طعام.

أجابت الزوجة أنه ليس لديها سوى قوت أطفالها، حينها طلب منها هذا الصحابي أن تلهي الأطفال في أي شيء، وحين تضع الطعام تقلل ضوء السراج الذي يضيء المكان حتى يشعر أننا نأكل معه، وبالفعل جاء الرجل وأكل في المساء وفعلت الزوجة كما طلب الصحابي.

في صباح اليوم التالي قال النبي صلى الله عليه وسلم لهم: “قد عجب الله من صنيعكما بضيفكما الليلة” [صحيح ابن حبان]. وبعدها نزلت هذه الآية بعد هذا الموقف، أما عن الصحابي الذي أطعم هذا الضيف فإنه قد ورد أنه أبو طلحة رضي الله عنه.

ماذا نتعلم من الأنصار

إن المراد بالذين تبوؤوا الدار أن نتعلم الحكمة منهم، فالله سبحانه وتعالى يقص علينا في كتابه الكريم القصص إما لعبرة أو حكمة، لذا نتناول حكمة تلك الآيات فيما يلي:

  • أن يتعلم الإنسان الإيثار لا في حال الرخاء، بل حين يكون في أشد الحاجة إلى قوته، فالله سبحانه لا ينسى هذه الأفعال أبدًا ويجازي عليها خير الجزاء، ويعوض عنها خير تعويض في الدنيا وفي الآخرة.
  • الجميع كان يعلي من شأن المهاجرين الذي تركوا ورائهم بيوتهم وأموالهم طمعًا في مرضاة الله وامتثالًا لأوامره لكن الله عدل، لذا فإن هذه الآية تبين لنا كيف أن الله يعلي من شأنهم بذكرهم في كتابه الكريم.

إن الأُخوة في الإسلام، وإيثار المسلم أخيه على نفسه من أعظم مشاعر الإنسانية التي يجازي الله سبحانه عليها خير الجزاء.