المرحلة الثانية من مراحل نشأة التفسير جاءت بعد أن بدأ التفسير في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، حين كان القرآن ينزل في أوقات متفرقة، بسبب أحداث ووقائع كان النبي يمر بها ويفسر معانيها للصحابة، ومن بعده بدأ الصحابة وكان عددهم 12 ومن بينهم عائشة رضي الله عنها أخذوا علم القرآن وبيان المعاني والألفاظ، ومن خلال هذا الموضوع سوف نقوم بعرض المرحلة الثانية من هذا العلم.

المرحلة الثانية من مراحل نشأة التفسير

بعد انتشار الإسلام في أنحاء العالم وذهاب الصحابة لكل البلاد المختلفة بدأوا في إنشاء مدارس للتفسير في كل مكان به أُناس حديثي العهد بالإسلام؛ ليتعلموا أمور الدين والغرض الحقيقي من كل الآيات حيث كان ابن عباس في مكة وفي المدينة أبيُّ بن كعب وفي الكوفة عبد اللله بن مسعود، وهكذا انتقل علم التفسير من الصحابة للتابعين حيث كان يحفظ هذا العلم في صدور المؤمنين.

عند هذه النقطة كان الصحابة يكتفون بتفسير معانى الآيات، كما أن الخلاف المذهبي حول الآيات كان محدود والتفسير كان يحفظ بالسماع مثل رواية الأحاديث بطريقة العنعنة ولم يتم تدوين التفسير إلا بعد المرحلة الثانية من مراحل نشأة التفسير، حيث نشأ علم التفسير وتطور في عهد التابعين وهم من تلاميذ الصحابة وكانوا يعتمدون على القرآن الكريم لتفسير الأجزاء المبهمة منه.

في هذه الأثناء نشأت مجموعة من المدارس الخاصة بالتفسير في البلاد المختلفة ومن هذه المدارس ما يلي:

  • المدرسة الأولى: وأكثرها شهرة مدرسة مكة المكرمة وكان المفسر الأساسي بها هو الصحابي عبد الله بن عباس رضي الله عنه، وبعده تبعه تلاميذه سعيد بن جبير وطاووس بن كيسان ومجاهد وعكرمة وعطاء بن أبي رباح.
  • المدرسة الثانية: كانت في المدينة، ومن أهم المفسرين بها أبو العالية رفيع بن مهران الرياحي ومحمد بن كعب القرظي وزيد بن أسلم.
  • المدرسة الثالثة: كانت في العراق حيث تعلم التابعين علم التفسير وأساسياته على يد الصحابي عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، ومن أشهر تلاميذه مسروق بن الأجدع الكوفي وقتادة بن دعامة السدوسي البصري والحسن البصري ومرة الهمذاني.

أهم ما تميزت به المرحلة الثانية من مراحل نشأة التفسير هو التبعية في التفسير لكل واحد من الصحابة في المدارس المختلفة، واعتمد المفسرون في هذه المرحلة على الرواية والتلقي.

التفسير خلال الفترة ما بين عصر التدوين وحتى الآن

في القرن الثاني هجريًا تم تدوين التفسير تزامنًا مع تدوين الأحاديث النبوية الشريفة، حيث كان يخصص أجزاء في كتب الأحاديث للتفسير، وعند هذه النقطة كان يتم التدوين في هذه المرحلة من خلال الاعتماد على سند الأحاديث والأقوال المذكورة.

بعد انتشار الكتابة والتدوين استقل علم التفسير وأصبحت كتب التفسير منفصلة عن كتب الأحاديث، ولكن للأسف كانت هذه الكتب تعرض أقوال دون أن تسندها لأصحابها، وقد تم التعبير عن هذا الأمر بلفظة “اختصار الأسانيد” الذي يعد من المساوئ، حيث بسبب ذلك ورد العديد من الأقوال الموضوعة وتم نقل العديد من الإسرائيليات.

الأشخاص الذين قاموا بفصل علم التفسير عن الأحاديث كانوا من العلماء الفذين مثل ابن جرير الطبري وابن ماجة، وكان التفسير معتمد على التفسير بالمأثور أو المنقول.. أي تفسير القرآن بأجزاء من القرآن نفسه، وبدأ في العصر العباسي ظهور عدد من أنواع التفاسير، حيث بدأ التفسير العقلي بمعنى الفهم الشخصي، حيث دخل علم اللغة العربية والفقه، وتم إشراك النزعة المذهبية العقلية.

أما في العصور الحديثة فقد اتخذ التفسير اتجاه جديدًا حيث مع انتشار المطابع وبدء تطور حركة التأليف في العلوم الإسلامية، بدأ التوجه للتفاسير الجديدة حيث تأثرت طريقة التفسير فظهرت النزعة علمية من خلال عرض الإعجاز العلمي في تفسير القرآن، وقد اتصفت التفسيرات الحديثة بالعبارات البسيطة وبدأت تصل لفئات أكثر من الناس.. ومن هذه التفاسير تفسير المنار لمحمد رشيد رضا وتفسير المراغي والتفسير الحديث.

علم التفسير في اللغة

بعد تحديد المرحلة الثانية من مراحل نشأة التفسير ننتقل إلي معناه في اللغة، حيث فَسَرَ مصدر الفعل الثلاثي والجمع منه تفسيرات وتفاسير، حيث يكون الفعل الماضى فسر يفسر تفسيرًا ومعناها الشرح البيان والتأويل والإيضاح، والمقصود من تفسير القرآن هو توضيح معانيه وبيان الوجوه البلاغية والإعجاز به، حيث إن له أسباب نزول وأحكام وعقائد واختلف تعريفه من عالم لغة لآخر وقد جاءوا كما يلي:

  • الزركشي: قال إن التفسير هو العلم الذي يعرف من خلاله المقصود من كلام الله عز وجل الذي أوحى به إلى محمد صلى الله عليه وسلم، ومن خلاله نفهم المعاني ونبسط شرح الأحكام، حيث يفرق بين الناسخ والمنسوخ ونتعلم الفقه والقراءات المختلفة وما إلى ذلك من أمور.
  • السيوطي: عرف تفسير القرآن بأنه علم يختص بأسباب النزول لبعض الآيات والوقائع والقصص والأحداث التي نزل فيها والعلم بالمتشابه والمحكم منها، والفرق بين المكي والمدني والناسخ والمنسوخ والحلال والحرام والوعد والوعيد.
  • أبو حيان: قال إنه البحث في الكيفية والتي تنطق بها كلمات القرآن الكريم وتراكيب وما تنقله المدلولات.
  • الأصفهاني: نقله إلينا على أنه إظهار المعنى المعقول.

طرق تفسير القرآن الكريم

شرحنا المرحلة الثانية من مراحل نشأة التفسير والآن نتطرق إلى أساليب التفسير، حيث عرض العديد من المفسرين أن هناك أسلوب متبع للتفسير، فله مراحل وأساليب وتاريخ والكثير من الشروط والآداب، حيث إنه بحر عميق يحتوي على العديد من الأمور، وهناك عدد من الطرق المتبعة في التفاسير، كما يلي:

  • التفسير التحليلي: يعد الأسلوب الأساسي ومن خلاله يقوم المفسر بالسير مع الآيات حسب ترتيبها في القرآن الكريم ويقوم بتحليلها وليفهم كل آية وما يرتبط بها في في السورة وموقعها في المصحف كامل.
  • التفسير الإجمالي: هو الطريقة الثانية حيث يقوم المفسر بتوضيح بيان ومعاني الآيات والعبارات في الآيات القرآنية وتحديد الهدف من اللفظ والعبارة في الآية العظيمة.
  • التفسير المقارن: هو ثالث الطرق يعتمد المفسر على جمع الآيات في أكثر من سورة ويبحث في موضوعها حيث يجمع معها الأحاديث وما قاله الصحابة والتابعين في هذه الآيات.
  • التفسير الموضوعي: رابع الأساليب حيث يجمع المفسر الآيات التي تتكلم عن موضوع بعينه أو مناسبة محددة ويبدأ بتفسير الآيات التي جمعها.

صفات مفسر القرآن الكريم

التفسير علم لابد لمن يتعلمه أن تمتع بصفات واستيفاء شروط معينة لأن كلام الله سبحانه وتعالى يلزمه شخص متمكن من كافة العلوم الشرعية ومتقن لها، كي يقوم قارئ القرآن بالاستفادة من التفسير الحديث، بعدما نقله الرسول صلى الله عليه وسلم ومن أهم الشروط التي يجب أن تكون عند المفسر ما يلي:

  • لابد وأن يكون المفسر صحيح الاعتقاد.
  • يجب أن يعزل المفسر نفسه عن الأهواء والضلالات.
  • يعتمد في الأساس على تفسير القرآن بالقرآن.
  • أن يكون ملم بشكل جيد بالقرآن والسنة النبوية الشريفة مما يساعده على تفسير القرآن من خلال الأحاديث النبوية الشريفة.
  • يجب أن يستعمل أقوال الصحابة والتابعين استكمالًا للأحاديث والقرآن.
  • أن يكون المفسر على دراية وعلم شديد باللغة العربية وفروعها بشكل متقن.
  • عنده علم بأصول العلوم المتعلقة بالقرآن الكريم.
  • القدرة على المقارنة بين المعنى والآخر حتى يتمكن من الوصول إلى المعنى الأنسب.
  • يزهد في الدنيا ويرجو الآخرة حيث يهتم بتفسير القرآن من أجل الله وحده بكل إخلاص للحصول على الأجر والثواب.

من الضروري جدًا معرفة تفسير القرآن الكريم، إذ أنه نبراس المسلم المؤمن الذي يهتدي به ويسترشد به في حياته اليومية.