تجربتي مع اللهم أجرني في مصيبتي كانت فارقة بالنسبة لي حينما قنعت أن الدعاء يصل بنا إلى ما هو أبعد من حدود التمني والرجاء، وما هو أقوى من القدر.. فيصل إلى رب السماء صدقًا ويقينًا به لتتحقق الاستجابة وتأت المعجزات من حيث لا يدري العبد.

تجربتي مع اللهم أجرني في مصيبتي

قال الله تعالى في محكم التنزيل في سورة البقرة:

وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157) “.

فمصائب الدنيا ربما تأتي بفاجعة الموت أو الخوف أو يجدها أحدهم في معاناة من الفقر وقلة الحيلة.. بينما أنا كانت مصيبتي هي البلاء الذي ابتلاني الله به، وحينما أدركت أنني لا حول ولا قوة إلا به سبحانه.. فتحت لي أبواب الخلاص ووصلت دعواي إلى عنان السماء وأنزل الله على قلبي الرحمة والسكينة والهداية إلى الرشد.

مات زوجي، الذي لم يكن زوجًا فحسب، بل هو رفيق الدرب والخليل والأب، هو من كان كل شيء، وما إن مات انطفأ كل ما في الحياة ليصبح ظلامًا دامس.. كدت أتساءل وأسخط، لم تركني؟ أي ذنب اقترفت حتى أُحرم منه؟ وسرعان ما استغفرت الله فما كان لي الاعتراض أبدًا على القضاء.

قرأت في كتاب الله ووقع نظري على الآية الكريمة السابقة، استشعرت الاحتواء في معناها، ثم قرأت أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان منها:

ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرًا منها إلا أجره الله في مصيبته وأخلف الله له خيرًا منها” (رواه مسلم).

صدقًا يا رسول الله، وكانت تلك تجربتي مع اللهم أجرني في مصيبتي.. فقد ربط الله على قلبي، وعوضًا عن الخوف الذي اجتاحني إثر فراق فقيد قلبي، كانت السكينة والطمأنينة، فقط ظللت أدعو له وأكرر ذلك الدعاء، أملًا في أن ألحقه بالفردوس الأعلى.

فك الكرب بدعاء اللهم أجرني في مصيبتي

“يا إخواني، لا تنظروا إلى المصائب ونوائب الدهر كأنها أبدية.. بل انظروا ببصيرتكم إلى ما وراءها من حكمة إلهية، لو أدركناها ما كان لنا الشقاء في الدنيا أبدًا”.

سطرت تلك الكلمات فتاة في مقتبل عقدها الثلاثين، جذبت بصدق معناها فضول البعض لتفقد ما عانت لتكتب تلك الكلمات القلائل عميقة المعنى.. وحينما منحوها الفرصة لتسرد قصتها، قالت:

توفي أبي وأمي وأنا صغيرة، لم أكن أعلم مرارة الفقد حينها ولا أستشعرها بغير البكاء، ورباني أخوالي مع أولادهم وكانت حياتي مستقرة إلى حد ما في الصغر.

حينما كبرت، كنت أبحث عن عمل مرارًا لأجد ما لا يجعلني عبئًا على أخوالي، وحينما وجدته بعد أمد شعرت أن هناك أمل من جديد في استقرار مختلف أصنعه بنفسي وبتوفيق الله.. عامين أثبت فيهما أني قادرة على العمل والترقي بأسرع ما يكون بكفاءة ومهارة ملحوظة.

هذا ما جعل الأحقاد تدب في نفوس أقراني في العمل، وواحدة منهن امتلأ قلبها حقدًا إلى أن طفح بيها الكيل ليتحول إلى رغبة للنيل مني وطردي.. فكيف بواحدة مثلي أن تحل محلها في أكبر محال الملابس الجاهزة وتسرق مكانتها عنوة.

دبرت لي مكيدة عند صاحبة العمل، واتهمتني فيها بالسرقة، وقد كانت المكيدة مُدبرة إلى حد وجود الدلائل التي لا أعلم كيف أوجدتها.. لكنني كنت على قناعة أنها تتصيد من أفعالي لتُظهرها أخطاءً، وقد طردتني صاحبة العمل بعد أن كلفتني بدفع ما سُرق وإلا ستقوم بمحضر ضدي.. وتركت لي فرصة لإعادة ما سرقته منها خلسة كما تظن.

لم أكن أجرؤ أن أخبر أخوالي بما حدث لي، فقط ظللت أدعو وأكرر “إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي، اللهم إني لا أسألك رد القضاء ولكني أسألك اللطف فيه”، كان دعائي لله عن صدق وإلحاح، وأنا أعلم أنه وعد من يدعوه بالاستجابة، وأن يُنزل الرحمة على قلبه.

ما كان لله الرحيم إلا أن يفك الكرب بعبده الذي لجأ إلى رحمته التي وسعت كل شيء، فقد اكتشفت المكيدة قبل يوم من المحضر، بمحض صدفة عن خطأ وقعت فيه من كادت لي أمام صاحبة العمل، وعليه تأكدت لها براءتي وأني لم أسرق منها شيء.. فوالله ما هي صدفة بل تدابير إلهية من الخالق.

عوض الله بعد المصائب

يأتي دعاء اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرًا منها بالخير كله.. فهكذا كانت تجربتي وتجارب أخريات ممن سردن قصصهن التي تثبت مدى حلاوة اليقين بالله وحسن الظن به، وجزاء ذلك.. فتقول تلك السيدة البسيطة التي تبلغ 55 من عمرها:

إنّ الثقة بالله هي ما اعتدت عليها وعشت حياتي بها، فما كان من الله إلا خيرًا حتى وإن ظننته شرًا في البداية، فدائمًا النهايات تثبت لي أن الله لا يكتب في مقاديرنا إلا الخير.. فقط علينا النظر إلى الأسباب والحكمة والخفايا.

رزقني الله بولدين وقد زوجتهما بكل ما أملك من الجلد والسقط، فلم يتبقَ لي ما يكفي قوت يومي، ولم أكن أشكل عليهما عبئًا أو أُشعرهما بما أعاني، حتى لا يتحملا همّي ويتفرغا إلى حياتهما، فكنت ألجأ إلى الله فقط وأعمل على الأسباب ساعية إلى الرزق.

لم أكن معتلة الصحة، هذا ما خوّل لي أن أعمل بنفسي دون الحاجة إلى أحد، فجمعت أموالًا قدر ما استطعت، واقترضت من كل جيراني وأحبابي على أمل أن أرد لهم أموالهم بعد افتتاح مشروعي الصغير وأسدد من خلاله ما أخذت.

كانت سمعتي طيبة بينهم، وهذا ما جعلهم يعطونني مما أعطاهم الله على أمل في أن أرد ما أخذت قريبًا قدر المستطاع.. وهذا ما نويت فعله بعدما أدخلت كل تلك الأموال كرأس مال لمشروع حلويات.. فأنا سيدة منزل في المقام الأول وأجيد صنع الحلويات بأشهى مذاق.

هذا ولم أجد النتيجة التي كنت أتوقعها، فلم يتهافت الناس على الشراء مني كما كنت أظن.. هل العيب في مذاق الحلوى من صنيعي؟ أم أن الخسارة كانت من مقادير الخالق بي؟

حزنت كثيرًا على عدم استطاعتي رد الأموال لكل من أخذتها منه، كما حزنت على الحلويات التي صنعتها وكادت أن تفسد.. ربما تعزو خسارتي إلى انعدام خبرتي في تسويق ما أقدم، فما عساني أن أفعل؟ لجأت إلى الله صدقًا ويقينًا في رحمته التي أود أن تشملني بكامل الرضا، على قناعة بأنه لن يتركني حاشاه.

أخذت أردد “اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرًا منها، اللهم عوّض عليّ ما هو خير مما ضاع مني” مرارًا وتكرارًا في الصباح والمساء وأنا أصلي وعند السجود.. فالله قريب مجيب أقرب لي من حبل وريدي.

فقط أيام قلائل ووجدت منتدى يطلب أعضاء فيه ممن يجدن صنع الحلوى من النساء، ليقوم ببيعها للناس بشكل منظم، وللسيدة العاملة جزء كبير من الأرباح.. كان ذلك قبيل شهر رمضان المبارك، الذي حلّ عليّ بالبركة واليُمن، فقد شعرت بفرحة كبيرة وأنا أصنع المزيد من الحلوى وأنال منها أرباحًا وفيرة، فسددت ديني، وادخرت جزءًا جعلني أتصدق إلى من يحتاج.. راضية قانعة بأن الله لا يكتب إلا خيرًا.

معنى دعاء اللهم أجرني في مصيبتي

فيما طرح أمامي من تجارب وفوائد ذلك الدعاء، كان قول امرأة صالحة سعت إلى إرشادنا الدلالة من وراء ذلك الدعاء حتى ندرك معناه جليّا ونردده عن فهم وبيان.. فقالت:

إن كل ما يمر به المرء من ابتلاءات إنما هي من قبيل المصائب الدنيوية، فقدان الأحبة وفقدان الصحة والحوادث وفواجع القدر وما إلى ذلك.. فعندما يقول العبد:

  • إنّا لله: هنا يعترف أن المرجع والمآل إلى الله تعالى مهما بلغنا من العمر عتيّا.
  • وإنّا إليه راجعون: إيمان بأن الموت هو حقيقة مؤكدة على كافة العباد، الدعاء كاملًا يقال عن المصائب كافة لا عند الموت فقط.
  • اللهم أجرني: معناها أن يخلف الله على من وقعت عليه المصيبة بالأجر والثواب على إثرها.
  • اخلف لي خيرًا منها: هنا يطلب العبد من ربه أن يعوضه خيرًا عما احتمل أو فقد في مصيبته، والخلف أو العوض لا يُشترط أن يكون شبيهًا بما فُقد، فمن الممكن أن يكون من جنسه أو غيره.

ربما يأتي العوض إلى العبد عن طريق بث الرضا في قلبه والطمأنينة في نفسه، فيصبر على المصائب ولا يجزع، حتى ينال الأجر والثواب من الله.

هكذا يأتي الدعاء عونًا معينًا لكل من ذاق مرارة المصائب والبلايا، لينتشل العبد من براثن الحزن إلى حلاوة الإيمان بالقضاء والقدر.