حكم محبة النبي صلى الله عليه وسلم هو من الأحكام الأساسية والتي هي من أصول الدين، ولا يجب علينا مثل هذا الحكم فالقلب يميل لحبه بالفطرة السلمية صلى الله عليه وسلم، إن محبته من أهم المشاعر التي تجعلنا نشتاق لرؤياه فهو أشرف الخلق، ولهذا يكون لنا كامل الشرف والفخر بأن نتحدث عن الصادق الذي لا ينطق عن الهوى في هذا الموضوع.

حكم محبة النبي صلى الله عليه وسلم

إن حكم محبة النبي صلى الله عليه وسلم واجب وفرض عين على كل مسلم ومسلمة آمنوا بالله الحق تبارك وتعالى، لأن محبة الله ورسوله صلوات الله عليه وتسليماته شرط من شروط الإيمان حيث قال الله تعالى “وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ”

حتى أنه قد ورد في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين، وفي رواية لأحمد: ومن نفسه”.

قد قال ابن رجب رحمه الله محبة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أصول الإيمان، وهي مقارنة لمحبة الله عز وجل، وقد قرنها الله بها، وتوعد من قدم عليها شيئا من الأمور المحبوبة طبعا، من الأقارب والأموال والأوطان وغير ذلك”.

على هذا فإن محبة النبي صلى الله عليه وسلم ليست من المستحب أن تفعل أو من فضائل الإنسان إنما هي واجب، ومن يقرأ بسيرته العطرة لا شك أنه سوف يحبه أكثر من نفسه، وذلك هو السر في محبة أصحابه له أكثر من أنفسهم وكانوا يكرهون أن يصيب النبي بأي سوء حتى لو شوكة، لذلك على المسلم أن يقرأ في سيرة رسوله العظيم ليعلم عظم قدره ورفعة مكانته.

نصوص من القرآن والسنة على محبة النبي

يقول الله تعالى في كتابه العظيم ” قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ” التوبة.

هذا يعني أنه حتى وإن وصل الإنسان إلى أقصى درجات من الغنى وكثرة المال والولد والتجارة التي يخاف الإنسان أن يخسرها والمنازل التي يرضاها ويحبها إن كل هذه الدنيا أحب على الإنسان من الله ورسوله فعلينا أن ننتظر الموت ونحن لم نقدم لأنفسنا خيرًا حتى أن الله قال على من يفعل ذلك من الفاسقين.

كما جاء في صحيح البخاري عبدالله بن هشام قال “كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا مِنْ نَفْسِي ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لاَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ) فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: فَإِنَّهُ الآنَ، وَاللَّهِ، لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الآنَ يَا عُمَرُ) ”

فهذا يدل أن محبة الإنسان لنفسه أكثر من النبي صلى الله عليه وسلم ليس بالكفر ولكنه لم يحقق تمام شروط الإيمان، كما قال الخطابي:

” حُبّ الإنسان نفسه: طَبْعٌ، وحبه غيره اختيار: بتوسُّط الأسباب، وإنما أراد صلى الله عليه وسلم بقوله لعُمر، حُبَّ الاختيار؛ إذ لا سبيل إلى قلب الطّباع وتغْييرها عمّا جُبلت عليه؛ يقول: لا تصدق في حُبي حتى تَفْدى في طاعتي، وتُوثر رضاي على هواك، وإن كان فيه هلاكك” انتهى من “أعلام الحديث

كما ذكر الترمذي عن الطفيل بن كعب عن أبيه قال” كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب ثلثا الليل قام فقال يا أيها الناس اذكروا الله اذكروا الله، جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه، جاء الموت بما فيه، قال أبي: قلت، يا رسول الله إني أكثر الصلاة عليك فكم أجعل لك من صلاتي، فقال ما شئت، قال: قلت الربع، قال: ما شئت، فإن زدت فهو خير لك، قلت: النصف، قال: ما شئت فإن زدت فهو خير لك، قال: قلت فالثلثين، قال: ما شئت فإن زدت فهو خير لك، قلت أجعل لك صلاتي كلها، قال إذًا تكفي همك ويغفر ذنبك”

آراء العلماء في محبة النبي صلى الله عليه وسلم

من خلال محاولتنا لمعرفة حكم محبة النبي صلى الله عليه وسلم نتوصل إلى آراء واتجاهات العلماء حولها، فقد اتجه العلماء إلى اتجاهين فمنهم من يقول إن محبة النبي هي فرض: وهي المحبة التي تلزم الإيمان بنبوته وأنه مبعوث من الله سبحانه، وطاعة أوامر النبي صلى الله عليه وسلم فيما أمر والنهي عما نهى عنه في السنة النبوية الشريفة.

الفريق الثاني يقول إنها محبة مندوبة وهذا بفعل ما ورد في سنته وتتبع أحواله وتتبع سنته، والحرص عليها بقدر ما يستطيع الفرد أن يفعل، ومن الأدلة في السنة النبوية على ذلك ما جاء من حديث مسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

” ثَلاث مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلاوَةَ الإِيمَانِ: مَنْ كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ” وجداء أيضا قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “مِنْ أَشَدِّ أُمَّتِي لِي حُبًّا نَاسٌ يَكُونُونَ بَعْدِي يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ رَآنِي بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ”.

أسباب حب النبي صلى الله عليه وسلم

من الضروري أن نعرف لِمَ نحب النبي؟ في ضوء ما ذكرنا من حكم محبة النبي صلى الله عليه وسلم، يجب علينا أن نحبه لأنه حبيب الله لأن النبي صلى الله عليه وسلم أحب الناس إلى الله تبارك وتعالى ولهذا اصطفاه وجعله رحمة للعالمين ومن جميل ما قال الرسول الكريم عن نفسه ” وَلَكِنْ صَاحِبُكُمْ خَلِيلُ اللَّهِ” رواه مسلم.

لأن الله جعله من رحماته على الأرض فإن القلوب تميل لمن هم فيهم من الرحمة والرأفة الكثير حتى أن الله جل في علاه قال عنه في سورة التوبة” لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ”

لو أطلنا في الحديث عن رحمته لطال بنا الحديث إلى ما لا نهاية كما ورد في حديث من أحاديثه صلى الله عليه وسلم عن مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ قَالَ:

أَتَيْنَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَحِيمًا رَفِيقًا، فَلَمَّا ظَنَّ أَنَّا قَدْ اشْتَهَيْنَا أَهْلَنَا أَوْ قَدْ اشْتَقْنَا سَأَلَنَا عَمَّنْ تَرَكْنَا بَعْدَنَا فَأَخْبَرْنَاهُ قَالَ: [ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ فَأَقِيمُوا فِيهِمْ وَعَلِّمُوهُمْ وَمُرُوهُمْ، وَذَكَرَ أَشْيَاءَ أَحْفَظُهَا أَوْ لَا أَحْفَظُهَا، وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي، فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ] رواه البخاري ومسلم.

كيف لا نحبه وهو الذي أنقذنا من ظلمات الجهل إلى نور الإيمان وهو الذي يأتي يوم القيامة شفيعًا لنا كيف لا نحبه أكثر من أرواحنا وهو الذي اشتاق إلينا.