صحة أن الله يعتق في آخر ساعة من رمضان يمكن الاستدلال عنها في السنة النبوية.. فأنزل الله عز وجل القرآن لا يغادر حتى صغائر الأمور ليوضحها للعباد، بالإضافة إلى سنة رسول الله التي فصلت الكثير من الأمور الحياتية، حيث يعتبر شهر رمضان هو شهر الرحمة والمغفرة لكن لا يمكن الجزم على صحة عتق المولى عز وجل في آخر ساعة منه.

صحة أن الله يعتق في آخر ساعة من رمضان

شهر رمضان من الشهور المُكرمة بنزول القرآن، فهو خاص بأعظم الأحداث والشعائر الإسلامية، كما يهيئ الله فيه الظروف المناسبة لعباده فالشياطين مصفدة والعباد يزيدون في الأعمال الصالحة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(إذا جاءَ رَمَضانُ فُتِّحَتْ أبْوابُ الجَنَّةِ، وغُلِّقَتْ أبْوابُ النَّارِ، وصُفِّدَتِ الشَّياطِينُ).

فورت الكثير من الأحاديث النبوية التي تشير إلى فضل العبادة في شهر رمضان وخصوصًا ليلة القدر، لكن لم ترد أحاديث توضح صحة أن الله يعتق في آخر ساعة من رمضان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(هُوَ شَهْرٌ أَوَّلُهُ رَحْمَةٌ، وَأَوْسَطُهُ مَغْفِرَةٌ، وَآخِرُهُ عِتْقٌ مِنَ النَّارِ).

فقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(إذا كان أولُ ليلةٍ من شهرِ رمضانَ صُفِّدَتِ الشياطينُ ومَرَدةُ الجنِّ، وغُلِّقتْ أبوابُ النارِ فلم يُفتحْ منها بابٌ، وفُتِّحَتْ أبوابُ الجنةِ فلم يُغلقْ منها بابٌ، ويُنادي منادٍ كلَّ ليلةٍ: يا باغيَ الخيرِ أقبلْ، ويا باغيَ الشرِّ أقْصرْ، وللهِ عتقاءُ من النارِ، وذلك كلَّ ليلةٍ).

فلم يأتي حديث يثبت نصه صحة أن الله يعتق في آخر ساعة من رمضان لكن روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن لله عند كل فطر عتقاء وذلك في كل ليلة)، فالله عز وجل يستمر في عتق عباده من النار في كل ليلة من ليالي الشهر الكريم ولم يقتصر ذلك على آخر ساعة في الله الأخيرة.

حيث روى عبد الله بن مسعود: (إذا كان أول ليلة من شهر رمضان فتحت أبواب الجنات فلم يغلق منها باب واحد الشهر كله، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب واحد الشهر كله، وغلت عتات الجن، ونادى مناد من السماء كل ليلة إلى انفجار الصبح يا باغي الخير يمم وأبشر، ويا بغي الشر أقصر وانظر هل من مستغفر نغفر له؟ هل من تائب نتوب عليه؟

هل من داعي نستجيب له؟ هل من سائل نعطي سؤله؟ ولله تعالى عند كل فطر من شهر رمضان كل ليلة عتقاء من النار ستون ألفاً، فإذا كان يوم الفطر أعتق مثل ما أعتق في جميع الشهر ثلاثين مرة ستين ألف).

بينما يوجد حديث أشار بعض العلماء أنه ضعيف يشير إلى صحة أن الله يعتق في آخر ساعة من رمضان، فروى أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(إذا كان أول ليلة من شهر رمضان نظر الله إلى خلقه، وإذا نظر الله إلى عبد لم يعذبه أبدًا، ولله في كل يوم ألف ألف عتيق من النار، فإذا كانت ليلة تسع وعشرين أعتق الله فيها مثل جميع ما أعتق في الشهر كله).

أسباب العتق من النار في شهر رمضان

حرص رسول الله على أداء العبادات بشكل مضاعف في شهر رمضان لما فيه من أجر وثواب كبير، وذلك ليتبعه المسلمون في القيام بذلك، وبالتالي يتخذ العبد فضل الأعمال الصالحة التي تجعله من العتقاء من النار مُضاف إليه فضل اتباع سنة رسول الله، فللتأكد من أنه لا يوجد ما يثبت صحة أن الله يعتق في آخر ساعة من رمضان يمكن للعبد القيام بالآتي:

1- ذكر الله والدعاء

قال الله تعالى (وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا)، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(ألا أُنبِّئُكم بخيرِ أعمالِكم، وأزكاها عند مليكِكم، وأرفعِها في درجاتِكم، وخيرٌ لكم من إنفاقِ الذَّهبِ والورِقِ، وخيرٌ لكم من أن تلقَوا عدوَّكم؛ فتضربوا أعناقَهم، ويضربوا أعناقَكم؟ قالوا: بلى. قال: ذِكرُ اللهِ).

فالدعاء هو الوسيلة التي تقرب العبد من ربه، وعلى العباد أن تلجأ إلى الله عز وجل بالدعاء في الرخاء قبل الشدة، فذلك من الأسباب التي تجعل العبد مستجيب الدعاء، حيث أكد رسول الله على عدة مواطن إن قام العبد بالالتزام بآداب الدعاء فيها يغفر له الله ذنوبه ويعتقه من النار، ومن تلك المواطن هو شهر رمضان.

2- إقامة الصلاة

أول ما فُرض على العباد هي الصلاة، فالصلاة عماد الدين الذي يحافظ عليه العبد فقال صلى الله عليه وسلم (رأسُ الأمرِ الإسلامُ، وعمودُه الصلاةُ)، فلم تقتصر الأحاديث التي وردت عن الصلاة على فضل الصلاة في شهر رمضان الكريم والزيادة على الفروض الخمس بصلاة التراويح.

لكن أكد صلى الله عليه وسلم أن الصلاة تشفع للعبد الآخرة وتجعل له بيت في الجنة في قوله: (ما مِن عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّي لِلَّهِ كُلَّ يَومٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً تَطَوُّعًا، غيرَ فَرِيضَةٍ، إلَّا بَنَى اللَّهُ له بَيْتًا في الجَنَّةِ، أَوْ إلَّا بُنِيَ له بَيْتٌ في الجَنَّةِ…)، فالانتظام في الصلاة يصلح باقي الأعمال الصالحة التي يقوم بها العبد سواء في شهر رمضان الكريم أو غيره.

كما على المسلم أن يقوم بالالتزام بسنة صلاة الظهر لما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (من صلى قبل الظهر أربعًا وبعدها أربعًا حرمه الله على النار)، وذلك تأكيد على أن ذلك له الفضل في العتق من النار.

3- إخراج الزكاة

عن ابن عباس قال (كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أجْوَدَ النَّاسِ، وكانَ أجْوَدُ ما يَكونُ في رَمَضانَ حِينَ يَلْقاهُ جِبْرِيلُ، وكانَ يَلْقاهُ في كُلِّ لَيْلَةٍ مِن رَمَضانَ فيُدارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أجْوَدُ بالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ)، وتلك أفضل بيان يوضح فضل إخراج الزكاة في شهر رمضان.

4- العبادة في ليلة القدر

قال الله تعالى (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) والقيام بالعبادات المختلفة في تلك الليلة تجعل للعبد فضل العبادة لمدة ألف شهر متتاليين، لذا عليه استغلال ذلك ومحاولة قراءة أكبر قدر من القرآن والأفضل أن يختمه ليحصل على فضل قراءة القرآن وفضل ليلة القدر معًا.

5- الالتزام بالاعتكاف

قال أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله (أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، كانَ يَعْتَكِفُ العَشْرَ الأوَاخِرَ مِن رَمَضَانَ حتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ)، حيث يجوز الاعتكاف في أي وقت من أوقات السنة، حيث أكد أبو سعيد الخدري على فضل ذلك لما رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(إنِّي كُنْتُ أُجاوِرُ هذه العَشْرَ ثمَّ بدا لي أنْ أُجاوِرَ هذه العَشْرَ الأواخرَ ومَن كان اعتكَف معي فليلبَثْ في معتكَفِه).

6- أداء فريضة العمرة

قال صلى الله عليه وسلم (إنَّ عُمْرَةً في رَمَضَانَ حَجَّةٌ) حيث أكد العلماء في سياق ذلك على مضاعفة أجر العمرة في شهر رمضان الكريم، فالحجة هي ما تمحي ذنوب العبد كلها وتغفر له كل ما تقدم من ذنبه، لذا يمكن لمن استطاع أن يقوم بتأدية العمرة في الشهر الكريم.

فضل أواخر شهر رمضان

تتضمن العشر الأواخر من شهر رمضان ليلة القدر الذي ينتظرها العباد للتقرب إلى الله بالأعمال التي ترفعهم درجات الجنة، كما يفضل الكثير أن يكون الاعتكاف خلال ذلك الثلث من رمضان.. ففي صحة أن الله يعتق في آخر ساعة من رمضان أشار حديث صحيح على أن آخره عتق من النار.

فيتم تحصيل الأجور والحسنات اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت السيدة عائشة رضي الله عنها (كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذَا دَخَلَ العَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وأَحْيَا لَيْلَهُ، وأَيْقَظَ أهْلَهُ)، فبالرغم من اجتهاده طوال الشهر فكان يزيد من الأعمال في ذلك الثلث.

حث نبي الله أمته على القيام بصالح الأعمال التي بفضلها يشعرون قرب الله ولا يشترط أن يكون ذلك في وقت معين، فلا ضمان في انتظار الوقت المُشار إليه للرحمة والمغفرة.