صفات عباد الرحمن في سورة الفرقان من أجلّ الصفات التي يمكن أن يتحلى بها المؤمنون، وتحمل الكثير من الآداب الجليلة التي ترفع العبد درجات عند الله سبحانه وتعالى، فإن عباد الرحمن هي الكنية التي تطلق على العباد ممن حسنت أخلاقهم وصفاتهم وكان ذلك مرئيًا في أعمالهم فكانوا خير قدوة صالحة يُحتذى بها في العبادة والتقوى والصلاح.

صفات عباد الرحمن في سورة الفرقان

إن سورة الفرقان من السور المكية، بها 77 آية قرآنية، سُميت بالفرقان لأن آياتها تفرق بين الحق والباطل، وجاء ذلك في بيانها لصفات العباد المؤمنين، أما عن الفرقان فهو من أسماء القرآن الكريم، وهي تحتوي على الكثير من المقاصد السامية أهمها ما ذكر في صفات عباد الرحمن.

جاءت صفات عباد الرحمن في القرآن الكريم باعتبارها من أسس الأخلاق الفاضلة التي يجب أن يتحلى بها المؤمنون، وما إن اتصف بها العباد كانت دنياهم سالمة غانمة يسعون فيها جاهدين إلى الخلاص إلى دار النعيم.. وقد تناولت سورة الفرقان في آياتها صفات لعباد الرحمن نذكرها تفصيلًا فيما يلي:

1- الحُلم والصبر

من قبيل الكمالات الخلقية التي يتحلى بها عباد الرحمن حينما يتعاملون مع غيرهم، فما إن خاطبهم جاهل أو أحمق ما يظهر منهم إلا الحلم والصبر على السفاهة والجهل، فلا ينفعلون ولا يستشيطون غضبًا على الناس، فهم عباد الرحمن كانت من صفاتهم الرحمة واللين واللطف، متخذين رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة لهم، فهو من كان يدعو كفار قومه وأكثرهم عنادًا بالحكمة والموعظة الحسنة ويجادلهم بالتي هي أحسن.

فإن تعرض عباد الرحمن إلى حديث ممن يفتقدوا الحكمة والعلم لا تظهر عليهم إلا آثار العلم والحكمة ولا يخرج منهم تصرف سفيه، فهم الكاظمين لغيظهم، ولا يردوا المعاملة السيئة بمثلها فيتركون الجاهل مهما قال عن سفاهة ويعرضون عن الرد عليه عن حلم منهم ورفق.

2- البعد عن الشرك

طهر الله عباد الرحمن من الشرك به وأبعدهم عنه، فهم منزهون عن كل ما فيه شرك بالله سواء من الشرك الأصغر أو الأكبر، فهم الأقرب إلى الله من يستزيدون في العبادات والطاعات لنيل رضوانه.. كما أنهم لا يجعلون مع الله إلهًا آخر ولا يشركون به شيئًا، يتوكلون فقط عليه سبحانه وتعالى.

3- التواضع لله

فقد فطر عباد الرحمن على التواضع لأنهم مدركين حقيقة وجودهم في الأرض، وأن ما لديهم من نعم إنما هي من عند الله الواحد الأحد فليس لهم أن يتكبروا على الخلق وهم سواء ما يميز بينهم إلا التقوى، على أن التواضع من الأخلاق التي تزين أهل العلم وهم ذوي جاه في فكرهم وعقولهم الراجحة، فمن يتواضع إلى الله يرفعه منزلة ويرفع من قدره بين الناس.

فالتواضع من صفات عباد الرحمن في سورة الفرقان، فهم لا يمشون في الأرض يتيهون فيها تكبرًا وغرورًا، ولا يتعجرفون على من هم أقل منهم، فهم مدركون تمام الإدراك أنه لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من الكبر والعياذ بالله.

4- خشية الله

تتحقق خشية الله سبحانه وتعالى من خلال الخوف من سوء المآل وما ذكره الله من ثواب وعقاب يجازى به المؤمن جراء عمله، فعباد الرحمن يرغبون في نيل رضا خالقهم ويستزيدون في مراتب الإحسان في الدين، والتي منها مراقبة الخالق والخوف منه، فلا يريدون أن يجازيهم الله بأعمالهم إنما بفضله وإحسانه.

كما أنهم على الدوام يهتمون أنفسهم بالتقصير وعدم القيام بالعبادة على الوجه الأكمل، حيث يخافون من صدق النوايا واطلاع الله على قلوبهم والإخلاص في العبادات.

5- الاعتدال في الإنفاق

بما أن الإسلام هو دين العدل والوسطية فإن عباد الرحمن يتحلون بقدر كبير من الاعتدال فلا يسرفون ولا يتسمون بالبخل والشح، فخلقهم وسطيّ دون تطرف أو مغالاة، لأن الإسراف في الإنفاق أو التقتير كلاهما من الأخلاق غير القويمة، أما عن الاعتدال في الإنفاق قدر الاحتياج فإنه من شيم التوجيه الرباني.

كما أن الاعتدال لا يكون في الإنفاق فقط، إنما أيضًا في كل الملذات والشهوات، حتى لا يكون المرء متشبهًا بالشيطان.. وهكذا كان حال السلف الصالح قديمًا لا يشتهون أمور الدنيا ولا يتكالبون عليها.

6- التهجد والقيام

لا تقتصر صفات عباد الرحمن على التعامل مع الغير فحسب بل أيضًا صلتهم بالله من منحهم صفة الإحسان من كرمه وإحسانه، لذا يحرصون كل الحرص على قيام الليل والصلاة والتهجد والتضرع إلى الله في خشوع بالغ، وكانت صلاتهم كثيرة ليلًا حتى تكون في خفية وأبعد عن الرياء، فهم مخلصون إلى الله.

فالمتقين عند الله هم من كانوا في وقت السحر يستغفرون يتعبدون ويقيمون الليل ويجتهدون في العبادات، هذا لأن الليل فيه من الصفاء الروحي ما لا يقارن بوقت النهار، ففيه التلذذ بمناجاة الخالق بينما الناس نيام، فيختار العبد أن يصلي لربه فضلًا عن لذة النوم والراحة.

7- اجتناب الزنا

جاء الدين الإسلامي لينظم الغرائز الإنسانية عند البشر حتى لا يسعون في الأرض فسادًا، فلم يطلق لهم العنان لإشباع ملذاتهم، بل لكل حدود لصيانة العفة والطهارة، وعلى رأس تلك الشهوات غريزة الجنس.

فعباد الرحمن منزهين عن الزنا، إنما يبتغون العفة في الدنيا ليزيدهم الله من كرمه في الآخرة وثوابه العظيم، فهم لا يطلقون التحكم لأهوائهم التي تؤول بهم إلى إفساد النفس، لكن يستعينون بالله طلبًا لصيانة النفس وعفتها.

8- اجتناب القتل

لما كان الشرك من صور قتل النفس لأن جزائها النار، فإن الله عافى عباد الرحمن من القتل أيضًا، وجنبهم منه بكل أنواعه، وهم لا يقتلون النفس التي حرم الله قتلها.

9- الإكثار من الدعاء

لمّا كان الدعاء هو الصلة الوثيقة بين العبد وربه، فإن من صفات عباد الرحمن في سورة الفرقان أنهم كثيرو الدعاء، لاسيما في مواطن استجابته، كالثلث الأخير من الليل، وهم ساجدون فهم أقرب إلى الله، ويلحّون في الدعاء، ولا يجدون سوى الله ملجأ معين على نوائب الدهر.

10- طلب الزوج الصالح

يطلب عباد الرحمن دومًا من الله في الدعاء أن يهبهم الذرية الصالحة والأزواج الصالحين ليكون لهم سندًا صالحًا في الدنيا، فلما كان الزواج هو الميثاق الغليظ فلا يريدون منه إلا تحقيق سنة الله في خلقه، بانتقاء ذو الخلق الحسن المخلص الذي يتقي الله في القول والفعل.

11- عدم شهادة الزور

يترفع عباد الرحمن عن مجالس الزور وشهادته، فهو من قبيل المعاصي والمحرمات التي نهى الله عنها، فهم حريصون على البعد عنها، وإن مرّوا بمثلها دون قصد فإنهم سرعان ما يتطهروا منها حتى لا تدنسهم، ولا يقعون بأنفسهم في لغو الحديث، حتى لا يقولون ما لا يعلمون عن جهل منهم، وذلك يُعتد به من صفات عباد الرحمن في سورة الفرقان.

12- الإكثار من التوبة

نجد أن عباد الرحمن حريصين على حفظ جوارحهم من الوقوع في المحرمات، إلا أنهم معرضين إلى الذنب حتى وإن كان دون قصد، فيعملون على تجديد التوبة والإكثار منها، كلما استشعروا قبح ما فعلوا وإن كان صغيرًا، ويعملون الصالحات حتى يطهرون نفوسهم من المعاصي ليتقربون إلى الله ويعودون إليه نائبين تائبين.

13- العمل بآيات الله تعالى

كثيرًا ما يتعظ عباد الرحمن بآيات الله تعالى، ويدركون ما فيها من معان جليلة وعظات أوجدها الله لعباده حتى يتخذونها عبرة فيسيروا على غرارها، وعندما تُقرأ عليهم آيات الله تجدهم خرّوا إلى الله سُجدًّا في تضرع وخشوع، لا يتلون القرآن إلا عن تدّبر وتفهم وإدراك.

كما يعملون على العمل بما يقرؤون من كتاب الله، فيمتثلون إلى ما جاء فيه من أوامر إلهية ويبتعدون عن النواهي، فيفقهون ولا يدعونها تمر عليهم مرورًا سريعًا دون تفكر في معانيها.

 تقبل العظات

إن الصالحين من العباد يقبلون النصح من الآخرين، ولا يتكبرون على الموعظة، فهم يأخذون العبرة من كل ما يجري حولهم من أحداث وكل ما يُقال على ألسنة المؤمنين، وإن سمعوا آيات الله لا يعرضوا عما بها من عظات.

من منّا لا يريد أن يُحشر مع عباد الرحمن الصالحين المقربين إلى الله الصادقين في العهد والوعد والمخلصين إليه سبحانه وتعالى في العبادات.. فهذا من خير الجزاء وأبقى.