ظهرت الفتنة في عهد الخليفة عثمان بن عفان بسبب الخلافات التي أدت إلى مقتله، فقد تسببت في تغيير مسار تاريخ الدولة الإسلامية بسبب أول حرب بين المسلمين وبعضهم، فمنذ ظهور الإسلام والمسلمين مشغولين في الفتوحات والقضاء على المشركين إلا أنه عند ظهور الفتنة تسببت في اختلال توازن الدولة الإسلامية.

ظهرت الفتنة في عهد الخليفة عثمان بن عفان بسبب

بعد ولاية عثمان بن عفان ثالث خليفة للمسلمين بعد الرسول صلى الله عليه وسلم عندما قُتل عمر بن الخطاب، بدأ بعض رؤساء الفرس والروم في التشجع لاستعادة نفوذهم لكن لم يتمكن عثمان ـ رضي الله عنه ـ من الالتفات لما حدث للدولة الإسلامية من تفكك لم يرد عنها من قبل.

فطوال الوقت كانت الدولة مشغولة بمحاربة أعداء الدين إلا في تلك الحقبة كان المسلمون يقاتلون بعضهم البعض، حيث ظهرت الفتنة في عهد الخليفة عثمان بن عفان بسبب أنه لم يغير الولاة الذين عينهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه على الإمارات.

فقد كان يختار الولاة بالاعتماد على الكفاءة فلا منهم من نسل سيدنا عمر ولا منهم من أصول قريش، لكنه كان يراقب كافة الأعمال الصادرة منهم جميعًا ولا يتأخر في عزل من يصدر من أي خطأ، فأصبح عثمان بن عفان من المسؤول عن العزل والتعيين.

لكن في تلك الفترة كان هناك ولايات تشكل خطرًا سياسيًا بسبب رغبة الفرس والروم في استعادة سيطرتهم وتلك الولايات هي ما ظهرت الفتنة في عهد الخليفة عثمان بن عفان بسببه، وهم الشام، مصر، الكوفة والبصرة، فقد كانت تلك الولايات مصدر لقوة الدولة الإسلامية، وإضافةً لذلك كانوا من مصادر غناها بسبب الأراضي الخصبة والغنائم الآتية من الفتوحات.

عدم طاعة الوالي وبداية الفتنة

فالسبب الحقيقي وراء الفتنة هو عزل عثمان بن عفان للمغيرة عن الكوفة وتعيين سعد بن أبي وقاص، لكنه لم يستمر حكمه بسبب خلاف نسب بينه وبين عبد الله بن مسعود المسؤول عن بيت المال بسبب قرض اتخذه سعد بن أبي وقاص وأبى أن يعيده إلى أن تسمح له الأمور، لذا عين عثمان بن عفان الوليد بن عقبة بدلًا منه.

لكن أهل الكوفة كانوا لا يحبون الوليد لأنه كان ممن نزلت آيات الزم فيها، فقال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) [الحجرات الآية 6]، وكان هو ذلك عندما غش الرسول صلى الله عليه وسلم.

كان الوليد أخ لعثمان بن عفان لكنه كان يصلي بالناس وهو سكران وأخذ أهل الكوفة عليه ذلك الدليل، وعندما علم عثمان بن عفان ذلك أمر بتنفيذ حكم الجلد عليه، لكن ذلك حدث جلل كبير في المسلمين وما حدث لأهل الكوفة من استهزاء بعد ذلك.

فظهرت الفتنة في عهد الخليفة عثمان بن عفان بسبب عدم طاعة الوالي، فبدأ الأشخاص لا يتعاملون على إنهم مسلمون وكلهم سواسية بل كل والي ينظر على الآخرين ويتباهى بنسبه، والآخر يتباهى بقريش وفضلها وذلك لم يكن مقبول من قبل الكثيرين.

أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم عن الفتنة

شمل أحكام الدين الإسلامي جميع الأمور الدنيوية والدينية التي يحتاجها المسلمين حتى بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم بقرون وسنين طويلة، حيث جاء عنه عدة أحاديث توضح أبعاد الفتنة وهي:

عن أبي هريرة رضي الله عنها روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم “يتَقارَبُ الزَّمانُ، ويَنْقُصُ العَمَلُ، ويُلْقَى الشُّحُّ، وتَظْهَرُ الفِتَنُ، ويَكْثُرُ الهَرْجُ قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، أيُّمَ هُوَ؟ قالَ: القَتْلُ القَتْلُ”. [صحيح البخاري].

عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “وتجيءُ فِتَنٌ، فيُرَقِّقُ بعضُها بعضًا، وتجيءُ الفتنةُ، فيقولُ المؤمنُ: هذه مُهْلِكَتِي، ثُمَّ تنكشِفُ، وتِجيءُ الفتنةُ، فيقولُ المؤمِنُ: هذهِ هذِهِ. فمَنْ أحبَّ منكم أنْ يُزَحْزَحَ عنِ النارِ، ويَدْخُلَ الجنةَ، فلْتَأْتِهِ منيتُهُ وهوَ يؤمِنُ باللهِ واليومِ الآخرِ، وليأْتِ إلى الناسِ، الذي يُحِبُّ أنْ يُؤْتَى إليه”. [صحيح ابن ماجه].

عن أبي سعيد الخدري قال “سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: “يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ خَيْرُ مَالِ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ الْغَنَمُ، يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَالِ وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ، يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الْفِتَنِ”. [صحيح البخاري].

عن عمران بن حصين قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من سمِع بالدَّجَّالِ فلينْأَ عنه، فواللهِ إنَّ الرَّجلَ ليأتيه وهو يحسَبُ أنَّه مؤمنٌ فيتبعُه ممَّا يبعثُ به من الشُّبهاتِ، أو لما يُبعَثُ به من الشُّبهاتِ”. [صحيح أبي داوود].

انتهاء الفتنة

ظهرت الفتنة في عهد الخليفة عثمان بن عفان بسبب عدم طاعة الوالي وانتهت بمقتله بسبب أحداث الفتنة التي اشتدت في النصف الثاني من ولايته، حيث اتفق أهل السنة أن الذي أدى لمقتل عثمان بن عفان هو عبد الله بن سبأ.

فهو يهودي أظهر الإسلام في عهد عثمان حيث قام بتزوير كتاب يشير إلى أن عثمان يرغب في مقتله بعد منحه الأمان، وبالتالي علم عثمان أنه سيقتل وعندما اجتمع الصحابة للدفاع عنه منعهم من رفع السيف للدفاع عنه، فكان متيقن أنهم يريدون قتله هو لذا هو حاول حقن الدماء وفداهم بنفسه.

فعن عبد الله بن حوالة قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “من نجا من ثلاث فقد نجا، ثلاث مرات، موتي، والدجال، وقتل خليفة مصطبر بالحق معطيه”، وعن ابن عمر قال: “ذكر رسول الله فتنة، فمر رجل، فقال: «يُقتل فيها هذا المقنع يومئذ مظلوماً»، قال: فنظرت فإذا هو عثمان بن عفان”.

فهجم المتمردون على دار عثمان وقتلوا أربعة من شباب قريش ثم قتلوه رضوان الله عليه، فمات وسال دمه بينما كان يقرأ في القرآن الكريم وانتضح الدم على قوله تعالى (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ). [سورة البقرة 137].

انتهت الفتنة بذلك حيث ظهر الخوارج، وهم فئة يرون أن الإمام علي هو الأحق بالخلافة بشكل شرعي، وحاربوا معه ضد معاوية في موقعة الجمل، لكن بعد ذلك تغير رأيهم عندما قبل علي التحكيم وخرجوا عليهم، وذلك لأنهم يرون أنه الأولى ببيعة أهل الحل والعقد له.

كما كانوا يرون أن في صلاح الإمامة تصلح الأمة لكن إن فسدت يتبعها فساد لا يمكن السيطرة عليه، لكنهم أجازوا أن تكون الإمامة لمن في غير قريش، واستدلوا على أنه لا يوجد نسل معين تستمر منه الإمامة.

كذلك أنكروا الحديث الذي ذكره أبو بكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بيعة السقيفة وهو (الأئمة من قريش)، لكنهم استدلوا بحديث آخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال “أن أمر عليكم عبد مجدع، يقودكم بكتاب الله فاسمعوا له وأطيعوا”. [صحيح الألباني].

مرت الدولة الإسلامية بأعوام شديدة الازدهار طالما لم يرفع المسلم سيفه في وجه المسلم الآخر، وحينما حدث ذلك بدأ الفساد يتسلل أركان الدولة الإسلامية ويحاول التغلغل فيها ولكن عثمان بن عفان كان مثالًا للجهاد في سبيل إبطال الفتنة.