ما هو فضل ليلة النصف من شعبان ابن باز؟ وما حكم الاحتفال بتلك الليلة؟ حيث تنتشر مجموعة الأحاديث لا يوجد ما يبين إذا كانت ضعيفة أم صحيحة، ويروج البعض عن الأمور الواجب فعلها في تلك الليلة على لسان العديد من العلماء، لذا يوجد تباين بين آراء العلماء والفتوى والأحكام بخصوصها، وفي هذا الموضوع سوف نقدم كل ما قاله العلامة ابن باز عن هذه الليلة.

فضل ليلة النصف من شعبان ابن باز

سمي شهر شعبان بهذا الاسم من تشعب غصون الأشجار، وتشعب القبائل في سعيها للكلأ والماء، وتختلف الأقاويل حوله، وتتعدد آراء العلماء في الفقه والشريعة بخصوصه، ولكن مع ذلك يوجد العديد من الأحاديث الصحيحة تؤكد فضل ليلة النصف من شعبان، مثل ما روي عن أسامة بن زيد أنه قال:

(يا رسولَ اللَّهِ! لم ارك تَصومُ شَهْرًا منَ الشُّهورِ ما تصومُ من شعبانَ؟! قالَ: ذلِكَ شَهْرٌ يَغفُلُ النَّاسُ عنهُ بينَ رجبٍ ورمضانَ، وَهوَ شَهْرٌ تُرفَعُ فيهِ الأعمالُ إلى ربِّ العالمينَ، فأحبُّ أن يُرفَعَ عمَلي وأَنا صائمٌ)، إذن فلا شك أن لهذه الليلة فضل عظيم يدفع النبي للحرص على الصيام فيها.

حكم الاحتفال بليلة النصف من شعبان

فضل ليلة النصف من شعبان كبير، ولكن يقوم بعض الأشخاص بالعديد من الأمور الخاطئة في هذا الشهر، مثل القيام بعبادات لم يرد في القرآن أو السنة النبوية الشريفة أي شيء عنها، وحين قام الناس بسؤال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله عن ليلة النصف من شعبان، وحكم صلاة البراءة، وغيرها من صلوات خاصة تتم فيه هذه الليلة؟

رد أن ليلة النصف من شعبان لم يصلنا عنها أي حديث صحيح وأن كل الأحاديث التي وردت عنها إما ضعيفة أو لا أصل لها، وأكد أن ليلة النصف من شعبان ليس لها أي خصوصية أو قدسية محددة، وأن الأقوال التي تنتشر بين الناس عن هذه الليلة ضعيفة، ولا يجوز أن نخصها بأي شيء من العبادات.

فالإنسان الذي لا يقيم الليل في المعتاد لا يجب أن يبتدع القيام في هذه الليلة، وهذه أكثر الفتوى أقرب للصواب بين الفتوى العديدة التي انتشرت عن هذه الليلة.

ما كان يقوم به النبي في شهر شعبان

نظرًا إلى فضل ليلة النصف من شعبان كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقوم بالصيام الذي هو من أهم وأنفع العبادات في الأيام المباركة لهذا الشهر، حيث ورد أنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، حَدَّثَتْهُ قَالَتْ:

(لَمْ يَكُنِ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَصُومُ شَهْرًا أكْثَرَ مِن شَعْبَانَ، فإنَّه كانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ وَكانَ يقولُ: خُذُوا مِنَ العَمَلِ ما تُطِيقُونَ، فإنَّ اللَّهَ لا يَمَلُّ حتَّى تَمَلُّوا. وَأَحَبُّ الصَّلَاةِ إلى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ما دُووِمَ عليه وإنْ قَلَّتْ، وكانَ إذَا صَلَّى صَلَاةً دَاوَمَ عَلَيْهَا).

البدع المنتشرة في شهر شعبان

بمرور الوقت بدء الناس ينحرفون عن فضل ليلة النصف من شعبان، والعبادة التي كان الرسول يقوم بها فيه، وانتشر في شهر شعبان العديد من الأمور المستحدثة على الدين، والتي شاع خطأ أنها سنن عن النبي، وتكرر ذكرها أحاديث ضعيفة وهي كما يلي:

  • صلاة البراءة وهي القيام بصلاة مائة ركعة في ليلة النصف من شعبان ويتم تداول حديث لا يعرف له أصل أو مصدر وهو خاطئ تماما ونذكره للتحذير:

رَأَيْت رَسُول الله لَيْلَةَ النِّصْفِ قَامَ فَصَلَّى أَرْبَعَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، ثُمَّ جَلَسَ بَعْدَ الْفَرَاغِ فَقَرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ أَرْبَعَ عشرَة مَرَّةً وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ أَربع عشرَة مرّة وَقل أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مرّة وَقل أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مرّة، وَآيَة الْكُرْسِيّ مرّة، وَلَقَد جَاءَكُم رَسُول، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلاتِهِ سَأَلْتُهُ عَمَّا رَأَيْتُ مِنَ صَنِيعِهِ قَالَ: مَنْ صَنَعَ مِثْلَ ذَلِكَ كَانَ لَهُ عِشْرُونَ حِجَّةً مَبْرُورَةً وَصِيَامُ عشرُون سَنَةً مَقْبُولَةً فَإِنْ أَصْبَحَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ صَائِمًا كَانَ لَهُ صِيَام سنتَيْن سنة مَاضِيَة وَسنة مقبلة.

  • صلاة ست ركعات بهدف الخلاص من البلاء والحصول على عمر طويل والاعتماد على الله من دون الناس.
  • تلاوة سورة يس والدعاء في هذه الليلة بدعاء معين وهو (اللهم يا ذا المن، ولا يمن عليه، يا ذا الجلال والإكرام..).
  • الاعتقاد الخاطئ أن ليلة النصف من شعبان تكون ليلة القدر، حيث إن جميع العلماء المحدثين حققوا في الأمر، وغني عن البيان أن الله تبارك وتعالى قال: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)، كما قال في كتابه العزيز: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ).

خطر القيام بالبدع في ليلة النصف من شعبان

وجد علماء الفقه والشريعة العديد من الأضرار الخطيرة لظهور البدع في الدين على الفرد والمجتمع، وخلال الفترة التالية سوف نعرض آراء العلماء في هذه النقطة:

  • يتفق العلماء والأئمة على أن اختلاق البدع التي لا علاقة لها بالدين الإسلامي تؤدي إلى تضليل وتشويش فكر المسلمين، مما يسبب اختلافات حول البدعة، وينجم عنه خصومة ونزاع بين المسلم وأخيه.
  • أول من يحترق بنار البدعة هو الذي قام بابتداعها، لأن ذلك يبعده عن النهج القويم للدين الإسلامي كما يقوم بنشر الفتنة بين المسلمين.
  • ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم: مَن عَمِلَ عَمَلًا ليسَ عليه أمْرُنا فَهو رَدٌّ” ويعتقد العلماء أن شرح الحديث هو أن الشخص الذي يبتدع كذبه وينشرها بين العامة مُذنب، ولا تُقبل منه الأعمال الصالحة والصلاوات.
  • تُعتبر البدع بمثابة تشكيك في الدين بشكل مباشر، مما ينفي “اليوم أتممت لكم دينكم” وكأن والعياذ بالله الله لم يُكمل أركان الدين، وإن ما وصلنا من القرآن والسنة النبوية غير مُكتمل.
  • تؤثر البدع بشكل سلبي على المجتمع ككُل، حيث إن الناس بدلًا من أن تترابط وتتكاتف لتبني المُجتمع وتعمر الأرض، ينشغلون بإثبات البدع والأكاذيب التي اخترعوها، مما يؤذي كل أطراف المجتمع.
  • إن ظهور البدع وانتشارها في المجتمع يدل على قصور في الدين وينتج عنه خلط بين المدلول الصحيح والمدلول الخاطئ والتباس في الشريعة، مما يجعل الأجيال الجديدة تنشأ على أسُس غير مضبوطة، يتم لصقها دون أي وجه حق بعباءة الدين الإسلامي.
  • في أحد العصور الإسلامية أجاز المشايخ أن تأم السيدة وشرعوا الصلاة المختلطة بين الرجال والنساء، وهو أمر غير مشروع بالدين لذلك وللأمور المشابهة، يجب أن نقف أمام كل بدعة ونكشف حقيقتها وأصلها قبل أن تصبح عادة عند الناس وتنتشر في المجتمع.

ليلة النصف من شعبان ليلة مباركة، ولكن يجب الحذر عند قدومها كيلا يقع المرء في خطورة الشرك والابتداع؛ لأن عواقبهم وخيمة.