معنى فوالذي نفسي بيده التي جاءت في حديث شريف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نقلها عنه أحد الصحابة، حيث حرص الصحابة والتابعين لهم رضوان الله عليهم في نقل كافة ما ورد عن الرسول من أقوال وأفعال، ليضيفوا للأمة الإسلامية مصدر تشريعي آخر يؤكد على ما أنزله الله تعالى في القرآن الكريم.

معنى فوالذي نفسي بيده

عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: (كنتُ أَكْتبُ كلَّ شيءٍ أسمعُهُ مِن رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ أريدُ حفظَهُ فنَهَتني قُرَيْشٌ عن ذلِكَ وقالوا: تَكْتُبُ ورسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يقولُ في الغضَبِ والرِّضا فأمسَكْتُ حتَّى ذَكَرتُ ذلِكَ لرَسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فقالَ: اكتُب فوالَّذي نَفسي بيدِهِ ما خرجَ منهُ إلَّا حقٌّ).

أكثر ما تسبب في حفظ سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الحفظ وراءه والتسجيل والتدوين، فهو من أكثر الأسباب التي تضمن عدم ضياع العلم ونقله وتوريثه إلى أجيال لم تُخلق بعد، فما معنى فوالذي نفسي بيده التي تضمنها الحديث.

حيث ظهر معنى فوالذي نفسي بيده في الحديث الذي رواه عبد الله بن عمرو وهو يخبر القوم بأنه يكتب عن رسول الله كل ما يقوم به بهدف الحفظ، فردوا المسلمون من قبيلة قريش ونهوه عن ذلك، بسبب اعتقادهم أنه مثل باقي الخلق يصدر بعض الكلام غير المناسب إن غضب، أو يمكن أن يكون سبب المنع يرجع إلى نهي الرسول عن تسجيل ما يقوله.

فكان الرسول يحذر من ذلك بشكل دائم لكيلا يترك المسلمون القرآن ويأخذون بكلامه من دونه، بينما امتنع عبد الله عن الكتابة لكنه أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما حدث، فأقسم بأنه لا يخرج إلا الحق وأشار بأصبعه إلى فمه، وبذلك أمره النبي بأن يعود إلى الكتابة مرة أخرى لأن كلامه صلى الله عليه وسلم معصوم من أي غضب.

مواضع قسم النبي باستخدام فوالذي

في سياق معرفة معنى فوالذي نفسي بيده والتأكيد على إنها يمين كان يقسم به نبي الله صلى الله عليه وسلم، يمكن بيان المواطن التي استخدمه فيها، وهي تتمثل في التالي:

1- النهي عن الفاحشة

أقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن الله يكره التفحش ومن يقوم بها ومن يشهد عليها، كما أكد على كره الله عز وجل لخيانة الأمانة وقطع صلة الرحم، وأكد أن سوء خلق البشر من علامات قيام الساعة.

حيث قال (إن اللهَ يُبغِضُ الفُحشَ والتفحُّش، والذي نفسُ محمد بيده، لا تقوم الساعة حتى يخوَّنَ الأمين، ويُؤتَمَنَ الخائنُ، حتى يظهرَ الفُحْشُ والتفحُّش، وقطيعةُ الأرحام، وسوءُ الجِوار، والذي نفسُ محمدٍ بيده، إن مثلَ المؤمن لَكمثل القطعةِ من الذهب نَفَخ عليها صاحبُها فلم تَغيَّر ولم تَنقُصْ، والذي نفس محمد بيده، إن مثلَ المؤمن لكمثل النحلةِ أكلَتْ طيبًا ووضعت طَيِّبًا، ووقعت فلم تكسر ولم تفسد).

2- رحمة المولى عز وجل

أشار الله إلى نفسه باسم الرحيم وذلك لأن رحمته سعت كل شيء، حيث أقسم الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك فقال صلى الله عليه وسلم: (والذي نفس محمد بيده – لو أخطأتم حتى تبلُغَ خطاياكم ما بين السماء والأرض، ثم استغفرتم الله، لغفر لكم، والذي نفسُ محمدٍ بيده لو لم تُخطِئوا، لجاء الله عز وجل بقومٍ يُخطئون، ثم يستغفرون فيغفر لهم).

3- اتساع الجنة

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (والذي نفسُ محمد بيده، إن ما بين المصراعَيْن من مصاريع الجنة لكما بينَ مكَّة وهَجَر، أو كما بين مكَة وبُصْرَى)، حيث روى عنه أبو هريرة رضي الله عنه وقال إنه كان يبلغهم أنه سيد الناس يوم القيامة، فهو يوم عصيب تقترب فيه الشمس من البشر وهم مجتمعين في مكان واحد، فيصيب الناس ما لا يطيقون.

فيأخذ الله عز وجل في سؤاله من يشفع لكم فيتوجهوا إلى آدم عليه السلام وهو أبو البشر، فيقول إن غضب الله شديد في ذلك اليوم فلم يأتي قبله ولا بعده، ويقول اذهبوا إلى غيري نفسي نفسي، فيأتون إلى نوح أول رسل الأرض ويطلبون منه الشفاعة فيقول نفسي نفسي.

فبعد أن يذهبوا إلى إبراهيم خليل الله وموسى كليم الله وعيسى الناطق في مهده وكلهم يجيبون نفسي نفسي، فيذهبون إلى محمد صلى الله عليه وسلم، ويقع تحت العرش ساجدًا ويثني على ربه ما لم يقم بأحد قبل، فيقال له (يا محمد، ارفع رأسَك، سَلْ تُعطَه، اشفَعْ تُشفَّع، فأَرفَعُ رأسي، فأقول: يا رب، أمتي أمتي، فيقال: يا محمدُ، أَدْخِلِ الجنةَ من أمتك من لا حسابَ عليه من البابِ الأيمنِ من أبواب الجنة، وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب).

4- شفاعة النبي لأمته

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: يا رسول الله، ماذا ردَّ إليك ربُّك في الشفاعة؟ قال: ((والذي نفس محمد بيده، لقد ظننت أنك أوَّلُ مَن يسألني عن ذلك من أمتي؛ لِمَا رأيتُ مِن حرصك على العلم، والذي نفسُ محمدٍ بيده، لَمَا يُهمُّني من انقصافهم على أبواب الجنة أهمُّ عندي من تمام شفاعتي لهم، وشفاعتي لمَن شهد أن لا إله إلا الله مخلصًا، وأن محمدًا رسول الله، يُصدِّقُ لسانُه قلبَه، وقلبُه لسانَه).

يؤكد رسول الله صلى الله عليه وسلم على حرصه للشفاعة لأمته، فهو الوحيد في يوم القيامة الذي يفكر في أمته ولا يفكر في غيره، ومن شهد بأن الله هو الواحد الأحد ولا يعبد إلا سواه، قد يدخل في شفاعة صلى الله عليه وسلم.

5- علم الرسول صلى الله عليه وسلم

قال صلى الله عليه وسلم (إني أرى ما لا تَرَون، وأسمع ما لا تسمعون، أطَّتِ السماءُ وحُقَّ لها أن تَئِطَّ؛ ما فيها موضعُ أربع أصابع إلا ومَلَكٌ واضعٌ جبهتَه ساجدًا لله، واللهِ لو تعلمون ما أعلَمُ، لضحكتم قليلًا ولبَكَيْتُم كثيرًا، وما تلذَّذْتم بالنساء على الفُرُش، ولخَرَجْتم إلى الصُّعُدات تجأرون إلى الله، لودِدْتُ أني كنت شجرةً تُعضَدُ).

فكان النبي صلى الله عليه وسلم يرى ويسمع ما لا يتمكن البشر منه، حيث لا يوجد في السماء ما مسافة تبلغ أربعة أصابع إلا وقد وجد فيها ملك من الملائكة يتضرع بالسجود إلى المولى عز وجل ويطلب منه الرحمة والمغفرة، فيقسم لأمته إن كانوا يعلمون هول الأمر مثلما يعرف هو كانوا يستمرون في البكاء طوال عمرهم ولا يتمكنون من الاستمتاع بالحياة الدنيا ولا بزوجاتهم ولا بالخروج إلى الطرقات.

حيث أمرهم بالتقرب إلى الله عز وجل والخضوع له، فمن شدة وعيد الله لعباده الكافرين وما يعرفه رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك، لرغب في أن يكون شجرة صماء يقتلعها أي شخص فتفنى وتزول.

لم يقسم نبي الله على أمر إلا وكان يستحق، لذا على العباد الالتزام بما ورد عنه وتعليماته خوفًا من عذاب الله للكافرين.