إنَّ أسباب ظهور البدع تختلف باختلاف الزمان والمكان وأصناف وأحوال الناس، فهناك من هو مُنشئ البدعة، وهناك من يتبعها بوعي منه وعلم، وهناك من يقلدها عن جهل، ومن المعلوم أنه بظهور البدعة تختفي السُنن، فيهجرها الناس تباعًا وتواليًا حتى تموت السُنن وتحيا البدع، وما ينتج عن ذلك إلا الضلال.

من أسباب ظهور البدع

طالما كان أشرف الخلق -صلى الله عليه وسلم- يدعو أصحابه إلى الخير ويذكرهم بين الحين والآخر بتعاليم دينهم، وكان في أحاديثه الحث على التمسك بسنته والتحذير الشديد من الابتداع في الدين، كما قال:

أوصيكم بتقوى اللهِ والسمعِ والطاعةِ وإن عبدًا حبشيًّا، فإنه من يعِشْ منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنةِ الخلفاءِ المهديّين الراشدين تمسّكوا بها، وعَضّوا عليها بالنواجذِ، وإياكم ومحدثاتِ الأمورِ فإنَّ كلَّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ“، هكذا كان تحضير الرسول من البدع وشرور انتشارها.. أما عن أسباب ظهور البدع فتتجلى فيما يلي:

1- اتباع الهوى

من يُعرض عن تعاليم القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة فإنه يتبع هواه، والضال هو من يجعل نفسه فريسة لهواه ووساوس الشيطان، فالبدع ما هي إلا نسيج من الأهواء الضالة، التي تسير وفقًا لِما يراه الشيطان لا وفق هدى الله.

قال الله تعالى في محكم التنزيل: يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ” سورة ص الآية 26

كما قال في سورة النجم الآية 23 إِن يَتَّبِعُونَ إلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى”، وفي سورة الجاثية: “أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ” الآية 23.

2- الجهل بأحكام الدين

كلما ابتعد الناس عن تعاليم الدين الإسلامي كلما فشا الجهل وقل العلم، فكان الناس قديمًا متمسكون أكثر بآثار الرسالة المحمدية إلا أنه مع تقدم العصور وتطور المجتمعات زاد ارتباطهم بالدنيا أكثر من الدين وكان تعلقهم بالأمور الدنيوية أكثر من إدراكهم بالحكمة من الخليقة.

عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنه- قال عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: إن الله لا ينتزع العلم من الناس انتزاعًا، ولكن يقبض العلماء فيرفَعُ العلم معهم، ويُبقي في الناس رُؤوسًا جُهَّالاً يفتنون بغير علم فَيَضِلُّون ويُضِلُّون”.

كما قال الله تعالى في سورة الأعراف: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ” الآية 33.

3- التعصب للرأي

إن ما يحول بين معرفة الحق وبين المرء هو أنه يتعصب لرأي بعينه دون اتباع دليل مؤكد، فلا يتبع ما أنزل الله بقدر ما يتبع ما هو متعصب له ومتمسك به.. تمامًا كما هو الحال في الجاهلية الأولى، كانوا يعبدون الأصنام وفق تعاليم آبائهم وأجدادهم لا مجال هنا لعقولهم.

فإن نظرنا إلى مواطن البدع وأنصارها نجدها تخرج من المتعصبين الذين لا يرون غير آرائهم ولا يؤمنون إلا بالله بل ويحثون الناس عليها.

جنبًا إلى جنب مع التعلق بالشبهات، حيث إن المبتدعة يتعلقون بالشبهة مما يخول لهم الوقوع في البدع، مثلما ذكر الله تعالى في محكم التنزيل:

هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ” (سورة آل عمران الآية 7).

حيث إن التقليد غير المبرر للمذهب يجعل أعمال أهل البدع مزينة في أعينهم، فلا يجدون صوابًا إلا بها، فيطيعون السادة ولا يطيعون الله.

4- الاعتماد على العقل المجرد

حيث من يعتمد فقط على عقله دون الاستناد إلى السنة والأدلة النقلية من الشريعة، يقع في دائرة الضلال، ويظن أنه ناجٍ بعقله وحكمته إلا أنه لا يمت إلى الهدى بصلة.

فقد أمرنا الله تعالى بأمور معينة إن اتبعناها نكون في طريق الهدى والرشاد وإن نأى أحدهم عنها لا يكون إلا في ضلال مبين، هذا ما تجلى في قوله: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِينًا” سورة الأحزاب الآية 36.

فهنا نكون بصدد الاستحسان العقلي في مقابلة النص الشرعي، رغم العلم بأن الدين كاملًا لا يجوز التعلل فيه.

5- مجالسة أهل الشر والضلال

من أسباب ظهور البدع أن يتخذ المسلم خليله من أهل السوء، أولئك من يتبعون هوى الشيطان، من يضلونه عن الذكر والعبادة، فهذا ما يؤدي بدوره إلى انتشار البدع والوقوع فيها.

6- التشبه بالكفار

من أسباب ظهور البدع التي حذرنا منها الرسول الكريم، فما بال بني إسرائيل حينما طلبوا من سيدنا موسى عليه السلام أن يصنع لهم إلهًا يعبدونه ويتركون عبادة الله الواحد الأحد بعد أن أراهم في نبيه المعجزات؟

هذا هو الواقع في أيامنا الحالية، يُقلد المسلمون الكفار في أعمالهم وطقوسهم وما يؤمنون به وما يعتقدون فيه، فيحملون الإسلام اسمًا لا موضوعًا، إنما أعمالهم لا تمت بصلة إليه.

7- الجهل بالسنة

هنا نقصد الجهل بأهمية السنة في الشريعة الإسلامية، فلا يفرق البعض بين حديث صحيح وحديث ضعيف وغير مؤكد، وهو ما يجعلهم تحت طائلة الشبهات والبدع، حيث إن من أسباب ظهور البدع الاعتقاد في حديث على اعتبار كونه من السنة إلا أنه بعيدًا تمام البعد عن الصحة.

قال الله تعالى في محكم التنزيل: وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً” سورة الإسراء الآية 36.

8- سكوت العلماء

إن الله أمر العالم أن ينفع الناس بعلمه، وعالم الدين أحرى به أن ينشر ما أنعم الله عليه به من العلم بين الناس، لذا من أسباب انتشار الفساد في الأرض وما يستتبعه من ظهور البدع أن يكتم أهل العلم علمهم، أولئك من قال الله تعالى فيهم:

وَإِذَ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ” سورة آل عمران الآية 187

فالله قد أوجب عليهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فليغيرونه بما استطاعوا وما أوتوا من القوة، ومجاهدة الكفر والضلال والبدع مهمة ملقاة على عاتقهم لا يجب التفريط فيها.

9- الغلوّ في الدين

إنه من أسباب ظهور البدع ومن أعظم مسببات انتشارها، فهو سبب الشرك كذلك، لأن الناس كانوا على فطرة التوحيد من بعد آدم، وغلوّهم في التعلق بالصالحين جعلهم يضعون لهم أصنامًا ويعبدونهم بدلًا من عبادة الله الواحد الأحد.

فعندما تتابع عليهم الرسل برسالاتهم السماوية التي تحثهم على عبادة الله، كان غلوّهم غير مقتصرًا على تقديس الأئمة والأولياء فحسب إنما كان غلوّا في الدين، أي بالزيادة والمبالغة عما شرعه الله، فيكون التشدد غير المبرر، والتكفير دون وجه حق.

فالغلو له جانبان، لأنه مجاوزة الحد المباح في المعتقدات إما بزيادة مدحه أو بزيادة ذمه، والجانبين على خطأ، لذا حذرت النصوص النقلية عن الغلو فيما يلي:

  • قول الله تعالى في سورة النساء: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ (الآية 171).
  • قول الرسول صلى الله عليه وسلم: إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين”.

مخاطر انتشار البدع

علمنا غير سبب من أسباب ظهور البدع، وعند انتشارها بين الناس نحصد الكثير من المخاطر منها:

  • عدم وضع اعتبار لحدود الله، مما ينشر الفساد في الأرض.
  • التفريق بين الأمم، ولا مجال للوحدة.
  • تكون الأعمال غير مقبولة لكونها غير صالحة، مما يبعد الناس عن طريق الهدى.
  • من يرتكب البدع يعد محاربًا لله ورسوله، والعياذ بالله.
  • ينزل سخط الله وغضبه على المبتدعين.
  • حمل العديد من الأوزار والآثام.

تعددت أسباب الشرك وانتشار البدع واتباع الناس لها، وأغلبها يتمحور حول الابتعاد عن حبل الله المتين، والفرقة بين بني البشر.