من ثمرات بر الوالدين في الآخرة ما يجعل المرء حريصًا على برهما في حياتهما وبعد وفاتهما أيضًا، فمظاهر الإحسان متعددة، أبسطها الكلمة الطيبة والابتسامة الحنون، كما أن الله –عز وجل- أخبرنا بمدى فضل البر والإحسان إلى الوالدين، الأمر الذي يجعلنا ممتثلين إلى الأمر الإلهي أملًا في نيل رضا الخالق والدخول في رحمته الواسعة.

من ثمرات بر الوالدين في الآخرة

ليس فقط بر الوالدين هو سر سعادة المرء في دنياه، إنما هو خير وسيلة لنيل السعادة في الآخرة، حيث جعل الله بر الوالدين سببًا لدخول الجنة، والتنعم فيها، كما أن للإحسان إلى الوالدين فضل كبير وثواب عظيم.

قد ذُكر في حديث شريف في صحيح مسلم: “يا نَبِيَّ اللهِ، أيُّ الأعْمالِ أقْرَبُ إلى الجَنَّةِ؟ قالَ: الصَّلاةُ علَى مَواقِيتِها قُلتُ: وماذا يا نَبِيَّ اللهِ؟ قالَ: برُّ الوالِدَيْنِ. قُلتُ: وماذا يا نَبِيَّ اللهِ؟ قالَ: الجِهادُ في سَبيلِ اللَّهِ“.

على أن الإحسان إلى الوالدين سببًا في أن يُدخل الله العبد البار في كنف رحمته ورعايته، فينال بذلك خير الجزاء في دار النعيم، فهو البار الذي لم يبخل على والديه ولم يقل لهما أُف ولم ينهرهما، وقد أطاع الله فيما أمر، فوعده الله من الجزاء الأخروي أحسنه.

لاسيما الأم، فقد ذكر –صلى الله عليه وسلم- في إكرامها: “معاوية بن جاهمة لما جاء إلى النبي صلى الله عليه على آله وسلم وهو يُريد الغزو، فقال له – عليه الصلاة والسلام -: هل لك أمٌّ؟ قال: نعم، قال: فالْزمها؛ فإن الجنة تحت رِجليها“.

جزاء بر الوالدين في الدنيا

ذكرنا من ثمرات بر الوالدين في الآخرة، ولنا أن نذكر ثمرات ذلك البر في الدنيا، بالقدر الذي يشهده البار في حياته، فبر الوالدين يساعد على نيل رضا الرحمن، وسببًا في سعة الرزق وإمداد الصحة والعافية والسعادة في قلب البار، فمن يطع والديه دامت سعادته وفرحته في دنياه وآخرته، على أن بر الوالدين سببًا في مغفرة الله الذنوب التي اقترفها العبد، لذا كان الحرص على برهما شديدًا.

كما أن من يبر والديه في الدنيا، يبره أبنائه، فكما تدين تدان، وما يفعل امرئ من خير إلا يناله، فمن كان حريصًا على إسعاد والديه والإحسان إليهما يجد ذلك مردودًا في ذريته.

من الجدير بالذكر أن من أهم ثمرات البر في الدنيا أنه سببًا في نجاة العبد البار من الكرب والبلاء، فما إن تعرض إلى ابتلاء في دنياه وكان يشعر بالضنك والضيق، يجعل الله بره لوالديه سببًا في خروجه من ذلك البلاء، فينثر عليه من رحمته ما يخفف عنه نوائب الدهر.

بر الوالدين في القرآن الكريم

قد أوصانا الله –سبحانه وتعالى- ببر الوالدين، فقد قرن في غير موضع في محكم التنزيل بر الوالدين بعبادته سبحانه، هذا ما تجلى في الآيات التالية:

  • وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ۖ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ۖ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ۚ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ۖ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ” سورة الأحقاف الآية 15
  • وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا” سورة النساء الآية 36
  • “وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا” سورة الإسراء الآية 23
  • قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا” سورة الأنعام الآية 151
  • وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلًا مِّنكُمْ وَأَنتُم مِّعْرِضُونَ” سورة البقرة الآية 83
  • “رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلاَ تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلاَّ تَبَارًا” سورة نوح الآية 28
  • قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا* وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا* وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا” سورة مريم الآيات (30/32).
  • وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ۖ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ” سورة لقمان الآية 14/15

إن الإسلام دين البر والإحسان، فبر الوالدين كان من أفضل درجات الإحسان، فمن روائع الإسلام تعظيم فضل البر وإقرانه بعبادة الله الواحد الأحد، فالوالدين من تحملا عناء التوجيه والإرشاد لأبنائهما طيلة حياتهما ليجعلونهم أنقياء أتقياء، ألا يستحقا الحب والرعاية والبر والإحسان؟

فكان بر الوالدين من أفضل العبادات الجليلة التي حثنا عليها الدين الإسلامي الحنيف، والتي يترتب عليها عظيم الفضل في الآخرة، والجزاء العظيم.

كيفية الإحسان إلى الوالدين

من ثمرات بر الوالدين في الآخرة ما يجعلنا نسرع في اتباع طرق الإحسان إليهما، حتى نفز في الدنيا والآخرة بالجزاء العظيم، أما عن صور الإحسان فتتجلى فيما يلي:

  • المحافظة على قول الكلام اللين الحاني، الذي يخلو من التجريح أو الإهانة بأي شكل من الأشكال، والابتعاد عن كل قول يزعجهم ويجرح مشاعرهم.
  • مناداتاهم بأحب ما يسمعونه، وعدم التبجح أو التطاول، وعدم التكلم في حضورهما إلا بما يصح، على أن يكون الحديث بأدب ولين.
  • الحرص على صحبتهما، وملازمتهما في كل أمر يحتاجون إلى أبنائهم فيه.
  • الإنفاق عليهما والمساعدة في التيسير لأمورهما، والسعي جهدًا إلى القيام بشؤونهما، سواء فيما يتعلق بالصحة أو ما شابه.
  • من طاعتهما أيضًا، إطعامهما وقضاء حاجتهما، وإسكانهما بشكل مريح، ومساعدتهم في أمور المنزل.
  • عدم التسويف في أمر ما يحتاجونه، بل السرعة في تلبية ما يرغبون، إلا في حالة كان هذا الطلب في معصية الخالق.
  • وصلهما دومًا، ووصل رحمهما.
  • حسن الاستماع إليهما، وعدم مقاطعتهما في الحديث.
  • إظهار الاهتمام فيما يبدونه من آراء، ومشاورتهم في الأمور الحياتية.
  • حتى لا يتم إحراجهم بأي حال، يجب تعليمهم أمور دينهم على محمل من اللين والعطف إن غفلوا أو ضلوا الطريق.

إن بر الوالدين لا يكون بمجرد الكلمة، إنما بالعمل والفعل، ينبغي على المسلم أن يُحسن فعله حتى ينال من ثمرات بر الوالدين في الآخرة ما يستحق، ويكون البر باللسان والجوارح وما إلى ذلك من الصور.

بر الوالدين بعد الموت

ربما يظن البعض أن البر يستمر فقط في حياة والديه، إلا أنه في حقيقة الأمر عبادة مستمرة لا تنقطع بموتهما، بل تظل ما دام الابن حيًا يُرزق، حتى ينال من ثمرات بر الوالدين في الآخرة جزاءً على برهما بعد الممات، ومن صور الإحسان إليهما هاهنا:

  • تنفيذ ما تركا من وصايا.
  • صلة رحمهما، والحرص على عدم القطيعة.
  • الدعاء إلى الله أن يرحمهما برحمته، ويُسكنهما أعلى الجنان.
  • الحرص على الاستغفار لهما لما بدر منهما.
  • إكرام من كان يكرمهما في حياتهما، والإحسان إليهم.
  • الترحم عليهما على الدوام.
  • إخراج الصدقات أملًا في أن يغفر الله لهما.

من أعلى درجات الإحسان إلى الوالدين إظهار الحب والاحترام لهما، فقد أمرنا الله سبحانه وتعالى بذلك، كما جعل عصيانهما من أبغض أنواع العصيان والآثام.