من حماية النبي ﷺ للتوحيد وسده للطرق الموصلة إلى الشرك أنه نهى قومه عن القيام بالأمور التي تؤدي إلى مشاركة غير الله في العبادة والعياذ بالله، حيث يمكن أن يكون الشرك في عدة صور يمكن أن يقوم بها العبد وهو على علم أم غير ذلك، وأشهر مظاهر ذلك هي أن يدعو أحد من الخلق اسمًا من أسماء الله وصفاته.

من حماية النبي للتوحيد وسده للطرق الموصلة إلى الشرك

أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أمته بالتوحيد بالله عز وجل، فكلمة التوحيد هي من مفاتيح دخول الجنة فهو لا يقتصر على إقرار العبد أنه لا خالق ولا مالك للكون إلا الله عز وجل، لكنه يشمل محبة الله وعبادته والتقرب إليه بالعبادات التي تجعل العبد يتخلى عما يقوم به من معاصي.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من قال: لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله، حرم ماله ودمه وحسابه على الله)، فالتوحيد يجب أن يتضمن الكثير من المظاهر من أقوال وأفعال، فالتوحيد فطرة خلق الله عز وجل الناس عليها وتتغير تلك الفطرة لمن يسمح لأي عارض أن يعترضها.

حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (كلُّ مولودٍ يُولَدُ على الفطرةِ، فأبواه يُهَوِّدانِه، أو يُنَصِّرانِه، أو يُمَجِّسانِه، كمثلِ البَهِيمَةِ تُنْتِجُ البَهِيمَةَ، هل ترى فيها جَدْعَاءَ)، فمن حماية النبي ﷺ للتوحيد وسده للطرق الموصلة إلى الشرك أنه قام بتوضيح موقف المولى عز وجل ممن يقوم بالكثير من التصرفات وهي كالتالي:

  • نهى عن الإطراء عليه: حيث قال صلى الله عليه وسلم (لا تطرُوني كما أطرتِ النصارَى ابنَ مريمَ إنما أنا عبدٌ فقولوا عبدُ اللهِ ورسولُه)، وذلك ما يؤكد أنه نهى المسلمين عن الإطراء والثناء عليه.
  • التشاؤم: يعد التشاؤم من العادات التي هدمها الإسلام، فقال الله تعالى (أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللَّهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾، فنهى أن يقوموا المسلمين بالتشاؤم بنوع من أنواع الطيور أو الأسابيع أو الأرقام أو يوم من أيام الأسبوع.
  • التصوير: أن يقوم العباد بتشخيص كل شيء له روح لأن ذلك يعتبر من الشرك الأكبر ويمكن الاستدلال على ذلك فيما قاله الله تعالى (وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا﴾.
  • اتباع السحرة: يعد السحر واتباعه من الشرك بالله ومن حماية النبي ﷺ للتوحيد وسده للطرق الموصلة إلى الشرك أنه نهى عن ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم (اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله، وما هنّ؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرّم الله إلا بالحق).
  • التنجيم: من حماية النبي ﷺ للتوحيد وسده للطرق الموصلة إلى الشرك أنه نهى عن التنجيم فقد أكد رسول الله على ذلك في قوله (من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد).
  • نسبة النعم لغير الله: يجب أن يعترف العبد أن كل النعم في حياته تعود إلى المولى عز وجل وأن عليه أن يتأكد من ذلك في كل ما يؤمن به، فلا يمكن أن يمن أحد بنعمة على العبد إلا المولى عز وجل، ومن يقوم بغير ذلك يعد من المشركين بالله.

أنواع الشرك

وضح علماء اللغة أن الشرك هو ما يقوم به العبد عندما يتخذ من غير الله إله ويؤمن به ويوحده، لكن الله عز وجل قد بين لنا أنواع من التوحيد عليه أن يحافظ عليها، وأي خلل يحيط بتلك الأقسام يؤدي إلى الوقوع في الشرك والعياذ بالله، وذلك ما يمكن بيانه في الآتي:

أولًا: الشرك الأكبر

ذلك النوع من الشرك يمكنه أن يجعل المؤمن يجر إلى النار والعياذ بالله، فالشرك الأكبر غالبًا لا يمكن الإعراض عنه والرجوع فيه وهو يتمثل في الآتي:

  • الشرك في الربوبية: وهو أن يقر العبد أنه هناك من يشارك المولى عز وجل في الملك والخلق، حيث يمكن أن يدعى أحدًا أنه رب بيده الأقدار وذلك كما حدث لفرعون عندما قال في قوله تعالى (فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى)، فأغرقه الله ليوضح للجميع أنه لم يتمكن من إنقاذ نفسه.
  • الشرك في الألوهية: وهو أن يؤمن العبد بأن هناك من يعبده بجانب عبادته للمولى عز وجل، مثل عبادة الأصنام والتذلل إلى أصحاب القبور والمقامات، فقال تعالى (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ* لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ).
  • الشرك في الأسماء والصفات: قال الله رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك (أن تَجعَلَ للهِ نِدًّا وهو خلَقَ)، وذلك عندما سأله أحد الصحابة ما هو أعظم أنواع الشرك، ففيه المرء يعتقد أنه يتصف بصفات الله عز وجل التي تحمل كل معاني الكمال.

ثانيًا: الشرك الأصغر

يعتبر المرء الذي يقوم بالشرك الأول أنه خرج من ملة الإسلام وانتبذ من الدين، لكن الشرك الأصغر هو نوع أبسط يمكن اعتباره من المعاصي، حيث قال عنه الله عز وجل (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا)، وأنواع الآتي:

1- الحلف بغير الله

يلجأ الكثير من العباد إلى ذلك سهوًا ويمكن أن يكون بهدف تعظيم من يحلف به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك (إنَّكم تندِّدونَ، وإنَّكم تُشرِكونَ تقولونَ: ما شاءَ اللَّهُ وشئتَ، وتقولونَ: والكعبةِ، فأمرَهُمُ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وعلى آلِهِ وسلَّمَ: إذا أرادوا أن يحلِفوا أن يقولوا: وربِّ الكعبةِ، ويقولونَ: ما شاءَ اللَّهُ، ثمَّ شئتَ)

2- الرياء في العبادات

أن يقوم العبد بالطاعات والعبادات المختلفة أمام الناس في الجهر أما في السر لا يقوم بمثل تلك الأعمال، وقال رسول الله عن ذلك (إنَّ أخوفَ ما أخافُ عليكم الشِّركُ الأصغرُ. قال: وما الشِّركُ الأصغرُ يا رسولَ اللهِ؟ قال: الرِّياءُ، يقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ: إذا جزى النَّاسَ بأعمالِهم اذهَبوا إلى الَّذين كُنْتُم تُراؤُونَ في الدُّنيا فانظُروا هل تجِدونَ عندَهم جزاءً).

تعزيز التوحيد

من حماية النبي ﷺ للتوحيد وسده للطرق الموصلة إلى الشرك أنه نهى عن الأفعال التي تؤدي إلى الشرك به، حيث على العبد أن يعزز التوحيد بالله وأن يعمل به فعلًا ولا يقتصر ذلك على قول إنه لا إله إلا الله، حيث يمكنه أن معرفة أقسام التوحيد وبيانها للعمل بها، وهي تتضمن الآتي:

1- توحيد الربوبية

أول ما يقوم به العبد أن يشهد أن لا إلا الله، وأن يفرد الله عز وجل بالخلق والملك وتيسير كافة أمور الخلق، فالله عز وجل هو وحده من له القدرة في تقسيم الأرزاق والنفخ في الروح والإمداد بالعطايا والإخراج من المحن والشدائد.

فقال الله تعالى (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ)، حيث كان الكفار يعرفون الله ويؤمنون بوجوده، لكنهم يحاولون إشراك الكثير من العناصر معه في الملك، وذلك لا ينجيهم من الشرك بالله.

2- توحيد الألوهية

قال الله تعالى (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ۖ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ ۚ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ)، فذلك النوع من التوحيد يشمل العمل بأن الله هو الإله الوحيد الذي لا يشاركه غيره في الحكم.

فعلى العبد أن يقوم بالاستعانة بالمولى عز وجل في كل ما يقوم به ويفعله، بالإضافة إلى ما يقوم به العبد في الصلاة إلى الله عز وجل والتقرب إليه بالدعاء ومناجاته في كل وقت وحين، وذلك من أهم مظاهر توحيد الألوهية.

3- توحيد الأسماء والصفات

ذلك النوع يمكن للعبد فيه أن يؤمن بما جاء المولى عز وجل في القرآن الكريم، وما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أقوال أو أفعال، بالإضافة إلى الإيمان بأن الله هو من يتصف بالكمال وأنه من يمتلك أسماء الله الحسنى بكل معانيها ولا يمكن لغيره أن يسمى بمثل تلك الأسماء، فقال الله تعالى في ذلك:

(فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا ۖ يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ ۚ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).

أي خلل يمكن أن يحدثه العبد في التوحيد بأيً من الأقسام التي أقرها المولى عز وجل يؤدي إلى خلل في التوحيد كله.