من صفات عبد الله بن عمر رضى الله عنهما ما اتفق عليه السلف الصالح وقاموا بتدوينه لبيان عظمته، فقد وُلد قبل هجرة الرسول إلى المدينة المنورة وأعلن إسلامه مع إسلام أبيه، ومن وقتها وهو مُلتف حول رسول الله صلى الله عليه وسلم ومرافقه في غزواته بالرغم من عدم سماح الرسول له بالمشاركة إلا في غزو الخندق لصغر سنه.

من صفات عبد الله بن عمر رضى الله عنهما

عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم كان من صغار الصحابة، فهو ابن ثاني الخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب ومن روى الحديث الشريف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان متميز بعدد من الصفات الأخلاقية والجسمانية وهي كالتالي:

  • صفاته الجسدية: كان ضخم الجسد أسمر اللون يضع عمامة سوداء تصل إلى خلف منكبيه، وكان يلون لحيته بالصفرة ويحلق شاربه، وكان له فارق في شعر رأسه حيث كان يتدلى شعره إلى مناكبه.
  • زاهد في الدنيا: كل ما يأتي من عبد الله بن عمر من أقوال أو أفعال كان يشير إلى زهده، فمن صفات عبد الله بن عمر رضى الله عنهما أنه كان يطمع في الآخرة ويرغب في الفوز بها، فكان غير مهتم بكل التفاصيل الدنيوية من طعام ومأكل وملبس ومنصب ورتب حربية.
  • ورع الإيمان: من صفات عبد الله بن عمر رضى الله عنهما أنه كان ورع تقي وذلك كان بشهادة الصحابة رضوان الله عليهم والتابعين لهم، فكان يبتعد عن أي موضع شبهات حتى يتجنب ارتكاب المعاصي، وكان من المقتدين برسول الله صلى الله عليه وسلم في كل ما يفعل.
  • متواضع: أهم ما يميزه هو التواضع فكان يخاف أن يمشي بين الناس متفاخرًا بأبيه أو بنسبه، فكان يكره المديح ولم يرغب في أن يمدحه أحد قط، فأكثر ما كان يشغله الاهتمام بالأيتام والمساكين، وكان ملتزم بالمبادرة بالسلام اتباعًا لما قاله (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام).
  • كريم: كان يفعل ما أمرته الآية الكريمة (لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ)، فكل رزقه كان يوهبه للفقراء والمحتاجين وكان يقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فمن صفات عبد الله بن عمر رضى الله عنهما اهتمامه بالفقراء والمساكين.
  • أخلاقه حسنة: لم يلعن ولم يسب في أحد يومًا من الأيام، فكل من رافقه في التجارة أو السفر كان يندهش من حسن الخلق الذي يتصف به، كما كان شديد الحرص على أن يقوم بسد الديون والوفاء بالوعد.

تقوى عبد الله بن عمر

كان عبد الله بن عمر من أكثر من حفظ الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن صفات عبد الله بن عمر رضى الله عنهما أنه كان سريع الحفظ وملازم لرسول الله مما جعله يتمكن من حفظ الكثير من الأحاديث فقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

كما روى عن أبيه عمر بن الخطاب وأبو بكر وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وابن رضوان الله عليهم، كما روى عن أم المؤمنين عائشة رضي الله مسعود عنها.

حيث كان يحرص على الصلاة في كل مسجد يصلي فيه الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان يحتفظ بكل ما يسمع أن قام به الرسول حتى وإن لم يحضره، حتى إنه شهد مع رسول الله صلى عليه وسلم حجة الوداع فهو كان لا يفوق حج وذلك ما أكدت عليه السيدة عائشة رضي الله عنها (مَا رَأَيْتُ أَلْزَمَ لِلْأَمْرِ الْأَوَّلِ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ).

قال ابن عمر عنه قائلًا: (كَانَ الرَّجُلُ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا رَأَى رُؤْيَا قَصَّهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَمَنَّيْتُ أَنْ أَرَى رُؤْيَا، فَأَقُصَّهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكُنْتُ غُلاَمًا شَابًّا، وَكُنْتُ أَنَامُ فِي المَسْجِدِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَيْتُ فِي النَّوْمِ كَأَنَّ مَلَكَيْنِ أَخَذَانِي، فَذَهَبَا بِي إِلَى النَّارِ، فَإِذَا هِيَ مَطْوِيَّةٌ كَطَيِّ البِئْرِ وَإِذَا لَهَا قَرْنَانِ وَإِذَا فِيهَا أُنَاسٌ قَدْ عَرَفْتُهُمْ، فَجَعَلْتُ أَقُولُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ، قَالَ: فَلَقِيَنَا مَلَكٌ آخَرُ فَقَالَ لِي: لَمْ تُرَعْ، فَقَصَصْتُهَا عَلَى حَفْصَةَ فَقَصَّتْهَا حَفْصَةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:

“نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ، لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ” فَكَانَ بَعْدُ لاَ يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إِلَّا قَلِيلًا”).

فقد كان يتعبد في المسجد طوال الليل إلى أن ينهكه التعب وينام، كما قال سعيد بن المسيب عنه (لَوْ شَهِدْتُ عَلَى أَحَدٍ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَشَهِدْتُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ)، فكان ينام في المسجد من صغره من شدة عبادته فروت حفصة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ رَجُلٌ صَالِحٌ”.

كما كان مثل أبيه تنهمر دموعه عندما يسمع آيات النذير للكافرين فقد كان يقرأ في يوم

{وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلاَ يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}

وبكى ولم يتمكن من تكملة الآيات من بعدها.

مواقف من حياة عبد الله بن عمر

كان عبد الله بن عمر يأبى أن يخرج في الخلافة خوفًا من أن يكون سبب في سفك دماء المسلمين، فكان يقول له أنت سيد الناس ابن سيد الناس فاخرج ليختارك الناس خليف لهم، حيث كان ذلك بعد مقتل عثمان بن عفان، حيث هدده البعض بالقتل إن لم يرشح نفسه لكنه أصر على موقفه.

كما أبى أن يتم استخدام السيف في الخلاف بين علي بن أبي طالب ومعاوية وكان محايد بينهم، فقال يجب أن يكون من يقول حي على الصلاة وآخر يجيب حي على الفلاح أما من يخرجون لقتال بعضهم البعض لا يمكن أن يجيب عليه أحد، وقد نقل عنه البعض وهو يقول (واضعين سيوفهم على عَوَاتِقِهم، يقتل بعضهم بعضاً، يقولون: يا عبد الله بن عمر، أَعْطِ يدك).

بالإضافة إلى رؤياه وهو يرتدي قطعة من الاستبرق في يديه وهو في الجنة ويتجه إليه اثنان ليأخذوه إلى النار وفاق من منامه وقص ذلك على أخته حفصة، وأكدت أن تلك رؤيا من الرسول صلى الله عليه وسلم عندما قال: (نِعمَ الرَّجلُ عبدُ اللهِ لو كان يُصلِّي منَ اللَّيلِ فيكثر).

في مرة أهداه صديقه وعاء ممتلئ وعندما سأله عما يحتويه أكد له أنه يحتوي على طعام يهضم الطعام، فابتسم عبد الله بن عمر قائلًا إنه لم يشبع من الطعام منذ أربعين عامًا، فكان من شدة زهده في الدنيا لا يتناول قدر ما يحتاج من الطعام، وذلك تطبيق لقوله تعالى:

(أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا).

علاوة على ذلك أنه كان شديد الحرص على محاكاة كل ما يقوم به رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك كان من صفات عبد الله بن عمر رضى الله عنهما، فمرة رأى ناقة رسول الله تدور دورتين ثم نزل منها الرسول وصلى ركعتين، فما لبس أن استمر في الدوران بناقته دورتين وينزل ليصلي ركعتين، فقالت عنه السيدة عائشة (ما كان أحد يتبع آثار النبيّ في منازله كما كان يتبعه ابن عمر).

رغب عبد الله بن عمر بالمشاركة في غزوة بدر وبعدها أحد لكن لم يأذن له الرسول صلى الله عليه وسلم لصغر سنه، لكنه سمح له في غزوة الخندق فكان يقول: (عُرضتُ على النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم بدر وأنا ابن ثلاث عشرة فردّني، ثم عرضتُ عليه يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة فردّني ثم عرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمسَ عشرة فأجازني).

كان عبد الله بن عمر أكثر من يتبعون الرسول صلى الله عليه وسلم في كل ما يقوم به من قول أو فعل، فهو من الصحابة الذي شهد الكثير من الأحداث في التاريخ الإسلامي.