من هو صاحب الرسول في الغار؟ ومتى كانت حادثة غار ثور؟ طالما كان للنبيّ معجزات نبوية تنم عن نبوته، التي لم يؤمن بها الكافرون، فظلوا عاكفين على النيل منه، وفي كل مرة يجعل الله كيدهم في نحورهم، ويقي نبيه من شرورهم ويجعله في كنفه ورعايته، ومن أشهر ما جيء في هذا الصدد حادثة غار ثور، والتي سنتطرق إليها تفصيلًا.

من هو صاحب الرسول في الغار؟

في الهجرة النبوية كان الرسول –صلى الله عليه وسلم- في صحبة واحد من خير الصحابة وأقربهم إليه، فكان مختبئًا معه في غار ثور من بطش قريش الذين كانوا يريدون قتل النبيّ، على أن هناك أناس آخرون كان لهم دور لا يُستهان به في إتمام سير الهجرة على مُراد الله بكرمه ورعايته.

كان صاحب الرسول في الغار هو أبو بكر الصديق، رفيقه الأقرب، حيث كانا في طريقهما إلى المدينة المنورة، حينما ذهب طغاة قريش للحاق بالرسول والنيل منه، فأثناء وجود الرسول وصاحبه في الغار في ظل بحث الكفار عنهما أنزل الله عليهما رحمته من عظيم كرمه وقدرته.

فحينما كان كفار قريش يقفون على فتحة الغار ردهم الله سبحانه وتعالى وكيدهم في نحورهم، فقد قال أبو بكر حينئذِ للرسول: قلتُ للنَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ ونحنُ في الغارِ لو أنَّ أحدَهم ينظُرُ إلى قدميْهِ لأبصرَنا تحتَ قدميْهِ“، فكان رد الرسول –صلى الله عليه وسلم-: “فقالَ يا أبا بَكرٍ ما ظنُّكَ باثنينِ اللَّهُ ثالثُهما” (صحيح البخاري).

هنا نزلت الآية الكريمة لوصف حادثة غار ثور: إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ ٱللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِىَ ٱثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِى ٱلْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَٰحِبِهِۦ لَا تَحْزَنْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُۥ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُۥ بِجُنُودٍۢ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلسُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِىَ ٱلْعُلْيَا ۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ” سورة التوبة الآية 40.

وصف غار ثور

إن غار ثور يقع على جبل يرتفع عن سطح البحر بمقدار 760 متر، وهو بمثابة صخرة داخل الجبل، إلا أنها مجوفة بارتفاع يبلغ 1.25 متر، كما أن للغار منفذين للخروج من ناحية الغرب، ذلك المنفذ الذي خرج منه الرسول، وللغار فتحة أخرى من الشرق أيضًا.

يقع غار ثور في مكة المكرمة، ويبعد مسافة تصل إلى 4 كيلو متر جنوب المسجد الحرام، وشهد ذلك الغار معجزة نبوية كان منها عظة كبيرة للمسلمين جميعًا، ومن الجدير بالذكر أن غار ثور كان يُسمى قديمًا “جبل أطحل”، وعندما سكن فيه “ثور بن عبد مناف” تم تسميته بغار ثور نسبةً إليه.

كم مكث النبي وصاحبه في الغار؟

علمنا من هو صاحب الرسول في الغار، أما عن فترة مكوثهما معًا فكانت ثلاث ليال متواصلة حتى التأكد من ذهاب قوم قريش بعيدًا عند فشلهم في العثور على النبيّ، بعد انقضاء الثلاث ليالي واصل النبي وأبي بكر مسيرتهما إلى المدينة المنورة، وكانت رحلة سرية، ثم وصلا معًا إلى مسجد قباء وكان ذلك في 8 ربيع الأول 14 من البعثة.. أي بعدما مر على رحلة الهجرة ما يقرب من 10 أيام.

نشأة أبي بكر وإسلامه

عندما علمنا أن صاحب الرسول في غار ثور هو أبو بكر، علينا أن نذكر نبذة تعريفية عن حياته وإسلامه، فقد ولد أبو بكر الصديق بعد النبيّ بثلاثة أعوام، وكان له مكانة عليّة بين قومه.

على الرغم من ولادته في ظل عبادة الأصنام إلا أنه كان يتميز برجاحة العقل والصفات الحسنة التي خولت له ليكون من شرفاء مكة، هو عبد الله بن أبي قحافة، لم يسجد لصنم قط، ولم يقتل الأولاد أو يوأد البنات كما كان يفعل قومه، فكان وجوده مرتبطًا بالكريم من الصفات، وهو كان تاجرًا معروفًا في قريش.

علاوةً على كونه محبوبًا فيما بينهم له كلمة مسموعة، على أنه كان مقربًا من الرسول –صلى الله عليه وسلم- منذ الطفولة والصغر، فكان رفيقه طيلة حياته وحتى وفاته، وعند نزول الوحي على الرسول كان أبي بكر أول من عرف بالأمر وأول من أسلم من الصحابة.

كان مصدقًا له في كل قول، حتى وإن كذبه الناس جميعًا، لذا لُقب بالصديق، كان أبو بكر الصديق أول الخلفاء الراشدين، وقد بايعه الصحابة والكثير من المسلمين، هذا في يوم وفاة الرسول، ولم يحكم في الخلافة إلا فترة قليلة، وسلم من بعده عمر بن الخطاب.

قد استطاع في تلك الفترة التي كان فيها أميرًا للمؤمنين أن يُعلي من راية الإسلام وينشره في ربوع البلاد، ومن أكثر ما عرف عن إنجازاته قضائه على المرتدين، حيث حركات الردة عن الإسلام التي انتشرت بعد وفاة الرسول، إلا أنه تخلص منها بفضل من الله.

كما أن أبو بكر قد شارك في غزوة بدر في حياة الرسول، على أنه بعدها اشترك في كثير من الغزوات مع الجيش الإسلامي، في سبيل نشر الدعوة الإسلامية السمحة، وقد بدأ في تجهيز الجيش الإسلامي لفتح العراق، بقيادة خالد بن الوليد الذي توسم فيه خيرًا للقيادة.

علاوةً على أنه عرف عنه تقديمه يد العون للمسلمين جميعًا خاصة الفقراء والمحتاجين، وعرف بتواضعه ولين قلبه.. فكان يحمل كثيرًا من صفات الرسول السمحة فكأن أقرب الصحابة إليه، وخير مثال على ذلك أنه كان صاحب الرسول في الغار عند الهجرة من مكة إلى المدينة المنورة.

كان أبو بكر الصديق من أكثر الصحابة قربًا إلى الرسول –صلى الله عليه وسلم- وعاصر معه نشر دعوة الإسلام وأكمل من بعده المسيرة حتى وفاته.